في عام 2015 استأجرت دولة الإمارات في ميناء عصب في ارتيريا لمدة ثلاثين عاماً لبناء أول قاعدة عسكرية إماراتية خارج البلاد، وسط الحرب الدائرة في اليمن، والتي استخدمت للحرب في اليمن وتوسيع نفوذها، الآن بعد سنوات من الحرب يبدو أن أبوظبي حولتها إلى مركز كبير لنفوذ أبوظبي في دول القرن الأفريقي على الضفة الأخرى للبحر الأحمر ومضيق باب المندب.
وفي مطلع عام 2021 كشفت صور الأقمار الصناعية أن أبوظبي تفكك أجزاء من القاعدة العسكرية وتنقلها إلى قاعدة سيدي براني المصرية مصر وقاعدتها العسكرية في جزيرة ميون اليمنية؛ ونقلت التقارير إن ذلك يأتي بعد إعلانها الانسحاب من حرب اليمن في العام الذي سبقه.
وحسب المعلومات المعروفة فإن القاعدة العسكرية في عصب احتوت على مهبط للطائرات العسكرية، وأماكن تدريب، وسجون سرية تديرها الإمارات لمعارضيها في اليمن بعد نقلهم إليها، والمكان الأول للمرتزقة الذي ينفذون عمليات اغتيال لصالح أبوظبي في اليمن.
لكن يبدو أن تفاصيل ومهام أخرى تقوم بها هذه القاعدة الإماراتية في “عصب” بأرتيريا لا تتعلق كلياً بالحرب في اليمن- حسب ما كشفته وثائق بالغة السرية والتي تعود إلى عام 2019م.
استهداف الرئيس الارتيري
تشير وثيقة صادرة عن القاعدة العسكرية، لاجتماع مع محمد دحلان الفلسطيني مستشار ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد -رئيس الإمارات الحالي، في عام 2019، وتوصي: إنشاء فريق استخباراتي خاص برصد تحركات الرئيس ورئيس حكومته، حيث أكد لنا وزير ماليته بأن الرئيس يتلفظ بألفاظ غير لائقة بحق القاعدة وقادتها.
وأبدى القادة الإماراتيون في القاعدة العسكرية مخاوفهم من أن يقوم الرئيس الإرتيري بالبحث عن بدائل للإمارات “وربما يقوده إلى التعاون مع قطر أو تركيا أو إيران”.
كما أوصت الوثيقة بتمويل من أسمته “الوزير المنتفض على الرئيس”، والاحتفاظ به في حال حدوث طوارئ تخص الرئاسة. ولم تحدد الوثيقة اسم هذا الوزير، وما إذا كان وزيراً حالياً أو سابقاً في الحكومة.
وأغلب التقديرات بما يتناسب مع تلك الفترة أنه الوزير السابق برهاني أبرهي، الذي نشر تسجيلاً صوتياً في عيد الثورة الإرترية 1 سبتمبر 2018م، يتحدث فيه بجرأة ووضوح ضد سياسات أسياس أفورقي ويطالبه بالتنحي عن السلطة؛ والذي اعتقل في وقت لاحق من العام؛ ما يشير إلى أن أبوظبي بدأت في العام التالي في دعم الموالين ل”أبرهي” بمن فيهم المعارضة الارتيرية.
ولا يعرف ما إذا تقليص الوجود العسكري الإماراتي في ارتيريا بعد ذلك بعامين يأتي بطلب من “أفورقي” الذي يعتبره كثيرون متقلب المزاج ويعاني من وضع سياسي وصحي سيء داخل بلاده.
زيادة النفوذ داخل ارتيريا
تشير توصية أخرى إلى “إنشاء فريق أمني متخصص لمتابعة ورصد المطلوبين الأريتيريين”. تقوم فرق المتابعة والرصد إما لجمع المعلومات عمّن تريده أبوظبي داخل ارتيريا أو اعتقالهم.
حيث تشير وثيقة أخرى إلى أن في قاعدة “عصب” العسكرية عدة سجون متخصصة: الأول، لليمنيين، والأخر للارتيريين، والثالث للجيبوتيين.
ويوصي قادة القاعدة العسكرية عقب الاجتماع مع دحلان، “بتوسيع دائرة المستفيدين من مكرمات الإمارات لتشمل الشخصيات الاجتماعية حسب التوجيهات من القيادة العليا”. وهو سلوك لجهاز أمن الدولة الإماراتي خلال السنوات الماضية بشراء ولاءات شيوخ القبائل، والسياسيين، والمسؤولين المحليين لتقويض السلطات المركزية، واستخدمته في اليمن وليبيا ومصر وتونس والصومال.
وتكشف وثيقة أخرى امتلاك أبوظبي خلايا إعلامية من الصحافيين والإعلاميين الارتيريين، لدعم توجهات أبوظبي في السياسة الداخلية الارتيرية، حصلنا على معلومات حول تلك الخلايا تشمل أسمائهم الستة ورواتبهم.
استخدام ارتيريا ضد جيبوتي
توصي الوثيقة بضرورة “إنشاء فريق استخباراتي من القيادات العسكرية الاريترية المتخصصة والعاملة لدينا للعمل في تنفيذ مهام في جيبوتي”.
وعانت أبوظبي من علاقة عداء وتوتر مع جيبوتي منذ 2015م، بعد أن طُردت من قاعدة عسكرية فيها وهو الذي أجبرها على بناء قاعدة في ارتيريا المجاورة. كما أن العلاقة زادت في التوتر بعد أن ألغت السلطات الجيبوتية عقداً لتأجير ميناء للإمارات بعد سنوات من استخدامه واتهام شركة موانئ دبي بتعطيل الميناء.
العمل داخل القاعدة العسكرية
تشير وثائق سنوية لجهاز أمن الدولة الإماراتي في “عصب” إلى عدة أمور متعلقة بالموضوع من بينها، مراكز الاحتجاز والاعتقال وتقول: يوجد في القاعدة ستة مراكز احتجاز الأول هو مركز اعتقال عصب وهو الرئيسي وثلاث منها مخصصة لليمن والبقية لمحتجزي إريتريا وجيبوتي.
تقول الوثيقة: يتسع مركز اعتقال عصب لأربعة آلاف معتقل سعة كل عنبر 1000 معتقل يفصل بين كل عنبر والآخر 500 متر تقريبا وفي 2018 توسع. كل عنبر له سور عملاق وقوات من الأمن لحراسته مسلحة تسليحاً كاملاً. بلغ عدد المحتجزين الجدد في القاعدة 234 محتجزاً جدد حيث وعدد المساجين السابقين بداخل سجون القاعدة 1345 سجيناً سابقاً، وعدد 211 سجين متوفي في سجون القاعدة من مختلف الجنسيات، بين المحتجزين عام 2018: 146 مدني، 88 عسكري من مختلف الجنسيات. تشير الوثيقة إلى أنه جرى فصل المسجونين اليمنيين بين مدنيين وعسكريين في سجون خاصة.
وتشير التوصيات في اجتماع محمد بن دحلان مع المسؤولين الإماراتيين إلى “تسهيل التعامل مع الشركات الأمنية والعسكرية الأجنبية، بما فيها الإسرائيلية المختصة بالتدريبات العسكرية واللوجستية وحسن المعاملة وتوفير كل المستلزمات للقيادة والأركان والأفراد”.
استخدمت القاعدة العسكرية كمقر تدريب للمقاتلين وتنظيمهم قبل الوصول إلى اليمن، بما في ذلك شركات أمنية أجنبية وإسرائيلية نفذت عمليات اغتيال في مناطق سيطرة التحالف العربي الذي تشارك في قيادته الإمارات إلى جانب السعودية.
وتشير التوصيات إلى أن قاعدة عصب كانت تعاني من أزمة المياه إذ أوصت: بمناقشة مسألة توفير المياه الصحية في القاعدة والاقتراح باستئجار أو شراء شركة مياه عصب النقية.
وتشير المعلومات إلى أن وحدة خاصة تابعة للدولة هي المسؤولة عن الملف اليمني، وتكشف النفقات التشغيلية بشأن القاعدة العسكرية إلى ملايين الدولارات التي تنفق شهرياً في القاعدة العسكرية في عصب.
تشير وثائق الرواتب إلى أنه يوجد غرف عمليات لكل طرف تابع للإمارات في اليمن أو متخصص بشأن معين خاص بالوحدة الخاصة.
كما تشير وثيقة النفقات إلى أن الإمارات تدفع سنوياً 45 مليون دولار إيجار للقاعدة العسكرية في عصب، وتنفق شهرياً: قرابة 7.5 مليون دولار رواتب القوة السودانية في اليمن وعددهم 8810. والعاملين المدنيين أكثر من نصف مليون دولار للعاملين المدنيين في القاعدة وعددهم 531. و22 ألف دولار رواتب شهرية ل41 عامل في مراكز الاحتجاز في القاعدة. ورواتب 6200 دولار ل12 إعلامي تابع للقاعدة. و 132 ألف دولار مستلزمات تغذية القوة الإرتيرية خلال الفصل الأول لعام 2019م.
وتشير الوثيقة إلى نفقات أخرى من بينها مكرمات القيادة الأولى والثانية من قوات طارق صالح 45 مليون دولار. وطارق صالح هو نجل شقيق الرئيس اليمني السابق الذي قتله الحوثيون في 2017. وكلف إصلاح ثلاثة قوارب “إثر هجوم إيراني” 780 ألف دولار حسب نفقات مارس 2019م.
تظل المعلومات عن القواعد العسكرية للإمارات خارج البلاد مجهولة، ترفض سلطات أبوظبي تقديم المعلومات، على الرغم من أن سلوك السياسة الخارجية ينعكس على مستقبل المنطقة واليمن على وجه التحديد.
نقلا عن اليمن نت