بدايات الألفيّة الثالثة حملت معها تزايدا نحو الاهتمام بمناطق حيويّة ومفتاحية عبر عالمنا الفسيح، وقد لا يغيب عن أذهان النّاس ما لهذه المنطقة الفسيحة من أهميّة في الفكر الإستراتيجي لكثير من الفاعلين واللاعبين الدوليين، على خاصرة المنطقة أو حتى على أبعادها الغائرة،
منطقة الهندو باسيفيك من حيث التعريفات الجغرافيّة هي تلك الرقعة الممتدة بين المحيطين الكبيرين الهندي الهادئ وما يشملانه من أراض بحيريّة وجزر أرخبيلات مترامية هنا وهناك.
في الجغرافيا السياسيّة هناك متسع لفهم نزوع القوى الكبرى في العالم نحو إرادة تملّكِ هاته الأراضي والبحار المتشسعة نظرا لما تكتنزه من خيرات وثروات باطنيّة وظاهريّة منها ما هو مستغل ومنها ما هو مشروع على الورق، لكن درجت تلك القوى على دراسة مكنونات ومقدرات مناطق حيويّة في العالم تمهيدا لتصنيفها في خانات الفضاءات المسيلة للعاب والتي ستشكل ولا ريب محورا للتفاعلات والاستقطابات الدوليّة، والتي ستكون مشروعا ربحيّا في القابل.
وربما كان لمصطلح الهندو باسيفيك وجدود حداثي إلى حد ما، فتلك المنطقة من العالم درج الجغرافيّون وحتى رجالات السياسة والمصالح على تسميتها بمسميات أخرى نحو:
حوض المحيطين أو آسيا المحيط الهادئ وغير ذلك من المسميّات ذات الصّلة، وربما لا نزيد إذ نقول بأن ميلاد المسمى الجديد طفا إلى السطح كواحد من تداعيات أزمة كوفيد التي أحدثت نوعا من وضع النقاط على الحروف فيما يخص استراتيجيات المرحلة القادمة التي ستشهد ربما نوعا من التحالفات الاقتصادية والاستقطابات التكنولوجيّة، الولايات المتحدة تريد أن تتمظهر بمظهر القوة العظمى التي لا تزال ذات شأن، في وقت بدأت تبزغ فيه شموس كواكب تكنولوجية واقتصاديّة أخرى منافسة في صورة الصين الشعبيّة التي تصورها الأولى كمهدد للسلام العالمي والاستقرار الدولي، في ضوء تنامي قدراتها العسكريّة والدبلوماسيّة والاقتصادية ليس بجوانب خاصرتها فحسب بل إمتدادا نحو فضاءات أوسع في العالم، وربما يستند الغرب المؤمرك إلى ما يسميه التحرشات والاستفزازات الصينيّة في بحر الصين الجنوبي قبالة جزيرة تايوان.
كذلك فإنّ للمنطقة دلالات إستراتيجيّة وجغرافيّة هامّة إذا نظرنا إلى معطى حركيّة التجارة العالميّة والإمدادات من الطّاقة ومثيلاتها من الموارد الأخرى والتي تعدّ ولا شك عصب المدنيّة الحديثة ورافدها الرئيس، والظاهر أنّ تلك الممرات البحريّة تنشط بشكل كبير حال السلم والحرب في العالم وأشد ما تنتعش عند غلق ممرات أخرى ذات قيمة حيويّة في مناطق أخرى شمالا وغربا.
وتريد في سياق ذي صلة، أن تتموقع دول كبرى في صورة الولايات المتحدة الأمريكيّة وأستراليا واليابان والهند إلى بعث فكرة الهندو باسيفيك الحرّة لمجابهة النمو والتعملق الصيني في المنطقة وفي العالم ككل، وهي نظرة بالدرجة الأولى بتوابل أمريكيّة،
حيث أن أمريكا تريد أن تبقى الرقم الأصعب والأول في العالم رغم أنف الجميع وفي سبيل ذلك تريد حشد كل الحلفاء خدمة لمشاريعها التي لا تنتهي،
ورغم أن تكتل الهندو باسيفيك لم ينزع صراحة إلى مقاطعة العملاق الآسيوي إلاّ أنه يواجه سيلا من الانتقادات حتى داخل الدول الغربيّة التي ترى فيه دركيا لحماية المصالح الإستراتيجيّة الأمريكيّة ولو بزج دول في بناءاتها خدمة لمشاريعها اللامحدودة،
ترى هل سينجح هذا المفهوم في صناعة واقع جديد يخدم البراجماتيّة الأمريكيّة أم أنه سيناله الفشل الذريع في ظل تحولات عميقة تشهدها العلاقات الدولية في جميع أبنيتها؟