آخر الأخبار

التوابون

بقلم | د. خالد سعيد

قال ربنا تبارك وتعالى: (إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب . فأولئك يتوب الله عليهم . وكان الله عليما حكيما).
فالتوبة تَجُبُ ما قبلها حتى تذر صاحبها شخصاً آخر ومخلوقاً جديداً، فنحن بأرواحنا وجسومنا وقد غسلت التوبة تلك الأرواح قبل أن تكف هذه الأبدان، إذ ليس كيان الإنسان في صورته أو جسمه فحسب.
فيبقى بعد التوبة من اجترح كل تلك المعاصي، واقترف كل هاتيك الذنوب، وأتي تلكم المصائب والعظائم؛ فيما كان قبلها شخصاً آخر ليس هو ذلك القديم، نعم فهو شخص اسمه فلان كاسمك وفي هيئتك؛ لكنه ليس أنت، أو شخصية اسمها فلانة وعلى صورتك لكنها ليست أنت، فأنت فلان التائب ويا لها من إضافة عجيبة كأنها الثلج والماء والبرد، فهو بعدها شيء جديد وخلق آخر!
ومن تمام التوبة نسيان الموبقات والورطات التي وقعت فيها؛ بمعنى تناسيها وعدم ذكرها سراً ولا جهراً، نعم ستبقى صورتها في عقلك تحزن منها كحزنك لحال العصاة أياً كانوا، وقد تبكي لسخط الله على السقطات والحماقات التي ارتكبها من كان أنت في عصيانك، وإشفاقاً على ذلك المسكين الذي كاد يتردى في النار لولا أن أنقذه الله منها.
وإن من إغلاق أبواب الشر السكوت عنه وعدم نشره بكثرة ذكره، فلا تخبر سرك أحداً ولا تكشف ستر الله عليك، إلا مضطراً ولثقة مستفتى، أو طبيب مُستشفى، وخاصة إفشاء النساء أسرارهن للنساء، فأكثرهن لا تحفظن سراً، ولا تخلون من الغيرة وأسباب الفضيحة، بل إن ذلك في غير موضعه ولغير سببه قد يكون من المجاهرة التي تدخلك في المعتبة.
وسبب آخر لعدم ذكره، ذلك أن الشياطين تعمد إلى تحطيم كيان الإنسان، وإضعاف شخصيته، وإلغاء قيمته؛ حتى تسيطر عليه وتتمكن منه، بعقدة النقص ومظنة التنجس بالمعصية والتلوث بالخطيئة!
وحسبك ما قال الرؤوف الرحيم بالمؤمنين ﷺ لواحد من أصحابه لقيه يوماً يظن نفسه قد تنجس بالجنابة: (إن المؤمن لا ينجس)!
وسلام على من تاب الله علينا به فتبنا ﷺ إليه سبحانه.

مشاركة المقال