آخر الأخبار

من تجزئة الحل إلى تجزئة اليمن!

بقلم | محمد اللطيفي

منذ تعيينه كمبعوث للأمم المتحدة لدى اليمن، بدأ هانس جروندبرج، تنفيذ استراتيجية “تجزئة” الحل في اليمن؛ وهي السياسة التي اقترحت نهاية عهد المبعوث السابق؛ مارتن غريفيث.
تركز سياسة التجزئة التي ابتدعها الأمم المتحدة، على تحويل مبادرات الحل في اليمن، إلى مقترحات، والأخيرة إلى بنود. ومن ثم البدء بصياغة آليات لكل بند على حدة. وهذه السياسة أدت إلى قناعة لدى المجتمع الدولي بأن يتم التركيز على بنود محددة تفضي إلى هدنة طويلة، عوضا عن أفكار كبيرة تحقق التسوية السياسية الشاملة.
فكرة التسوية الشاملة ظهرت صعبة التحقق في اليمن، ووضعت الأطراف الدولية الراعية لعملية السلام أمام مأزق كبير. ولذا بدأت عمليا تنفيذ سياسة التجزئة منذ مجيء جروندرج الذي هندس بدعم أمريكي ما يعرف بالهدنة الطويلة.
لقد أتت الهدنة كحل للتغطية على الفشل الأمريكي والأممي، أكثر من كونها إنهاء للصراع المتعسر حله في اليمن، فإدارة بايدن وجدت نفسها في حرج أمام عجز تنفيذ وعد إنهاء الحرب في اليمن، والأمم المتحدة مكبلة بدورات من الفشل.
في أبريل (2022)، بدأت واشنطن والأمم المتحدة تجريب مدى نجاح سياسة التجزئة للحل السياسي في اليمن. وكان الثمن المدفوع لتمرير تلك السياسة التخلص من سلطة هادي؛ التي تمتلك الشرعيات (الدستورية والشعبية والدولية). وصناعة قيادة يمنية جديدة تتبع بشكل كامل التحالف السعودي الإماراتي.
وعلى جثة شرعية هادي، أتت سلطة جديدة مهمتها إضفاء الشرعية المحلية على سياسة التجزئة الأممية الأمريكية السعودية. ولذا نص إعلان نقل السلطة إلى مجلس القيادة الرئاسي، على أن مهمة المجلس “التفاوض” مع الحوثيين؛ بصفتهم أنصار الله، وليس المليشيا.
كل ما سبق كان تمهيدا لتنفيذ آليات عملية لسياسة تجزئة الحل في اليمن. والتي تمثلت بتهدئة طويلة الأمد، بدأت بهدنة لمدة (3) أشهر منذ أبريل (2022)، ومددت لـ 3 أخرى انتهت في أكتوبر من العام نفسه. ورغم أن الهدنة لم يعلن تمديدها أمميا، إلا بنودها المنفذة طوال الستة الأشهر (أبريل -أكتوبر 2022) ظلت سارية المفعول حتى اللحظة.
بنود الهدنة التي تم تنفيذها، هي ذاتها التي وردت في فكرة تجزئة الحل التي اقترحها المبعوث السابق؛ مارتن غريفيث. مثل تسيير رحلات مطار صنعاء، والسفن باتجاه ميناء الحديدة. وكان من الملاحظ أن البنود التي نفذت كانت لصالح مليشيا الحوثي، بينما البنود التي لصالح الحكومة لم تتحقق؛ مثل فتح طرق تعز.
في النهاية، أدت سياسة تجزئة الحل في اليمن، إلى تكريس سياسة تجزئة اليمن ذاته. فالانتقالي وسع خلال فترة التهدئة، من مساحة سيطرته على المحافظات الجنوبية، مستثمرا عضويته في مجلس القيادة. بينما قوى الحوثي من مكانته التفاوضية، بعد حصوله على امتيازات تشغيل مطار صنعاء وتنشيط حركة السفن في ميناء الحديدة.
الهدنة أدت ايضا إلى فقدان؛ ما يعرف بمجلس القيادة، مقعده في دبلوماسية التفاوض، بعد تحولت المفاوضات إلى مباحثات بين الحوثيين والسعودية؛ برعاية عمانية ودعم أمريكي. حيث شهدت صنعاء خلال (يناير 2023) زيارتين متتاليتين من مسقط، بينما نشطت في الأخيرة لقاءات مكثفة بين ممثلي القوى الإقليمية والدولية وبين الحوثيين.
الوساطة العمانية بين الرياض والحوثي نقلت طاولة النقاش من المربع الإنساني إلى السياسي. وبدأت دوائر إعلامية دولية تتحدث عن موافقة مبدئية من الرياض على مصفوفة مطالب حوثية، شريطة ضمان أمن حدوه المملكة.
بتقديري، وفي ظل غياب ما يفترض أنه الطرف الشرعي، عن النقاشات الدبلوماسية، فإن الحوثي سيحصد المزيد من الامتيازات في الفترة القادمة. بينما ستخسر الحكومة الكثير من الفرص والكثير من الكرامة الوطنية. ومع ذلك كل هذه التنازلات التي تقدم للحوثيين من قبل السعودية باسم اليمن، لن تؤدي إلى استقرار سياسي، ولن تثمر أي نتائج تقدم نحو تسوية سياسة شاملة.
إن سياسة تجزئة الحلول التي تدعمها واشنطن، على أمل أن يصبح عام (2023) مفتتح للسلام والاستقرار، لن تذهب إلا باتجاه معاكس .. حيث سيستمر تحكم المليشيات في شمال وجنوب وشرق وغرب اليمن، بينما سيتم تجميد وشل حيوية القوى العسكرية الموالية حقا لوحدة واستقرار وسيادة اليمن.

مشاركة المقال