آخر الأخبار

حكم التحول الجنسي

كتب | عبد الله بن فيصل الأهدل

المراد بالتحول الجنسي: الجراحة التي يتم بها تحويل الذكر إلى أنثى والعكس. ففي الحالة الأولى -أي: تحويل الذكر إلى أنثى- يجري استئصال عضو الرجل -الذكر- وخصيتيه، ثم يقوم الأطباء ببناء مهبل، وتكبير الثديين.
وفي الحالة الثانية -أي: تحويل الأنثى إلى ذكر- يجري استئصال الثديين، وإلغاء القناة التناسلية الأنثوية، وبناء عضو الرجل -الذكر-.
وفي كلتا الحالتين يخضع الشخص الذي تُجرى له الجراحة إلى علاج نفسي وهرموني معيَّن.
وقد انتشر هذا النوع من الجراحة في السنوات الأخيرة في بلدان الغرب الكافرة، وتتلخص دوافعه في أن هؤلاء المرضى -كما يقال- يشعرون بكراهية الجنس الذي ولدوا عليه نتيجة لعوامل مختلفة، قد يعود أغلبها -كما يقول بعض الأطباء- إلى فترات مبكرة من حياة الإنسان وتربيته، وتكون التربية فيها غير سليمة، وهؤلاء الأشخاص لا يوجد فيهم أي لبس في تحديد جنسهم سواء من ناحية المظهر، أو من ناحية الجوهر كما هو الحال في الخنثى. [انظر: جراحة التجميل بين المفهوم الطبي والممارسة، د. ماجد عبد المجيد طهبوب، من بحوث ندوة الرؤية الإسلامية لبعض الممارسات الطبية ثبت الندوة صـ(424)].
وموقف الشريعة الإسلامية من هذا التحول هو التحريم وأنه كبيرة من الكبائر، وإجراء هذه الجراحة محرم شرعًا، وذلك لما يلي:
أولًا: لقوله تعالى حكاية عن إبليس -لعنه الله-: ﴿..وَلأمُرَنَّهُمْ فَلَيُبتكُّنَّ ءَاذَانَ الأنْعَامِ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلقَ اللَّهِ﴾.
قال ابن عباس: ﴿وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلقَ اللَّهِ﴾ الإخصاء. [رواه ابن أبي حاتم بسند حسن].
وجه الدلالة: أن الآية تضمنت حرمة تغيير خلق الله على وجه العبث، وهذا النوع من الجراحة فيه تغيير للخلقة على وجه العبث، إذ يقوم الطبيب الجراح باستئصال الذكر والخصيتين وذلك في حالة تحويل الذكر إلى أنثى، أو يقوم باستئصال الثديين وإلغاء القناة التناسلية الموجودة في الأنثى في حالة تحويلها إلى ذكر.
ثانيًا: ثبت في الصحيح من حديث عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- أنه قال: “لعن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم المتشبهين من الرجال بالنساء، والمتشبهات من النساء بالرجال”. [رواه البخاري (5885)].
وجه الدلالة: أن الحديث دلَّ على حرمة تشبه الرجال بالنساء والعكس، ولعن من فعل ذلك، فهو من كبائر الذنوب؛ لأن فيه لعنًا، وهو الطرد من رحمة الله.
فالرجل إذا طلب هذا النوع من الجراحة إنما يقصد أولًا وقبل كل شيء مشابهة النساء، وكذلك المرأة.
قال الحافظ ابن حجر -رحمه الله- في شرحه لهذا الحديث: الحكمة في لعن من تشبه: إخراجه الشيء عن الصفة التي وضعها عليه أحكم الحكماء، وقد أشار إلى ذلك في لعن الواصلات بقوله: “المغيرات خلق الله”. [فتح الباري (1/333)].
ثالثًا: أن هذا يشتمل على استباحة المحظور شرعًا دون إذن الشارع، إذ فيه كشف كل من الرجل والمرأة عن موضع العورة، ويتكرر ذلك مرات عديدة، وقد دلت الأدلة الشرعية على حرمة ذلك الكشف، ولم يوجد في هذه الجراحة دافع ضروري ولا حاجي يستثني الكشف من ذلك الأصل، فوجب البقاء على حرمته، وحرمة الوسائل المفضية إليه.
رابعًا: أنه ثبت بشهادة بعض المختصين من الأطباء أن هذا النوع من الجراحة لا تتوفر فيه أي دواع أو دوافع معتبرة من الناحية الطبية، وأنه لا يعدو كونه رغبة تتضمن التطاول على مشيئة الله تعالى وحكمته التي اقتضت تحديد جنس الإنسان ذكرًا كان أو أنثى.
خامسًا: ما رواه البخاري عن ‌سعد بن أبي وقاص أنه قال: “رد رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم على عثمان بن مظعون التبتل، ولو أذن له لاختصينا”. [رواه البخاري (5073)].
وعن ‌عبد الله: “كنا نغزو مع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وليس لنا شيء، فقلنا: ألا نستخصي؟ فنهانا عن ذلك..”. [رواه البخاري (5075)].
قال ابن حجر: وقوله: “فنهانا عن ذلك” هو نهي تحريم بلا خلاف في بني آدم. [فتح الباري (9/119)].
قال القرطبي: ولا يجوز؛ لأنه مُثلة وتغيير لخلق الله تعالى. [تفسير القرطبي (5/391)].
فإذا كان هذا التحريم متعلقًا بالخصاء الذي فيه تغيير لشيء من مهمة العضو، فكيف بالتغيير الكامل، لا شك أنه أولى وأحرى بالتحريم.
لهذا كله لا يجوز للطبيب ولا للطالب رجلًا أو امرأة أن يُقدِم على فعل هذا.
وبالتحريم أفتى المجمع الفقهي، فقد سئل عن تحويل الذكر إلى أنثى وبالعكس، فقال:
الحمد لله، والصلاة والسلام على من لا نبيَّ بعده، سيدنا ونبينا محمَّد صلَّى الله عليه وسلَّم. أما بعد:
فإنَّ مجلس المجمع الفقهي الإسلامي لرابطة العالم الإسلامي في دورته الحادية عشرة المنعقدة بمكة المكرمة… قد نظر في موضوع تحويل الذكر إلى أنثى وبالعكس، وبعد البحث والمناقشة بين أعضائه، قرَّر ما يأتي:
أولًا: الذكر الذي كملت أعضاء ذكورته والأنثى التي كملت أعضاء أنوثتها لا يحل تحويل أحدهما إلى النوع الآخر، ومحاولة التحويل جريمة يستحق فاعلها العقوبة؛ لأنَّه تغييرٌ لخلق الله، وقد حرَّم سبحانه هذا التغيير بقوله تعالى مخبرًا عن قول الشيطان: ﴿وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ﴾.
فقد جاء في صحيح مسلم عن ابن مسعود أنَّه قال: “لعن الله الواشمات، والمستوشمات، والنَّامصات، والمتنمصات، والمتفلجات للحسن، المغيرات خلق الله عزَّ وجل”، ثم قال ابن مسعود رضي الله عنـه: ألا ألعن من لعن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، وهو في كتاب الله عزَّ وجل. يعني قوله: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾.
ثانيًا: أمَّا من اجتمع في أعضائه علامات النساء والرجال، فينظر فيه إلى الغالب من حاله، فإن غلبت عليه الذكورة جاز علاجه طبيًّا بما يزيل الاشتباه في أنوثته، سواء أكان العلاج بالجراحة أو بالهرمونات؛ لأنَّ هذا مرض والعلاج يقصد به الشفاء منه، وليس تغييرًا لخلق الله عزَّ وجل.
وبنحو هذه الفتوى أفتى هيئة كبار العلماء برقم (176) وتاريخ 17/3/1413هـ.
وجاء في فتوى للجنة الدائمة برقم (3979) وتاريخ 29/7/1420هـ، وقد سألت المستفتية سؤالًا هذا نصه:
أنا فتاة جامعية، وبقي لي عام واحد على التخرج، وعمري 25 سنة، وإلى الآن لم تأتني دورة شهرية كباقي الفتيات، ولي عضو صغير ذكري وضعيف، وقد يكون حجمه بحجم الإصبع طولًا، أعيش في ضيق وكرب شديدين، وأصبحت أشك في صحة عبادتي، لذا لم أجد إلا سماحتكم كدار فتوى للرد على أسئلتي:
1 – ما هي نظرة الإسلام إلى هذه الحالة والتي أظن أنها تسمى بالخنثى؟
2 – هل نُعدُّ مذنبين إذا شعرنا بعكس طبيعة الحال؟
3 – ما مدى صحة العبادات التي أؤديها من صلاة وصوم وغيره؟
4 – هل يختلف حكم الخنثى في الشرع في كونه ذكرًا أو أنثى في مسائل الميراث وغيرها من المسائل التي تقضي بالفصل بين الجنسين؟
5 – ما حكم التحويل الجنسي، أي: إجراء عملية جراحية لتصحيح العيب؟
وإذا كانت الضرورة تقضي بتحويل المريض إلى جنس مخالف للذي كان عليه مدة سنوات، وعرفه الناس به، فأنا مثلًا ينظر الكل على أنني فتاة، فإذا قضت الضرورة أن أكون فتى فهل هناك من حرج؟ وماذا لو أن الوالدين اعترضا بحجة كلام الناس والفضيحة وما شابه ذلك، فهل يعد فعل ذلك عقوقًا للوالدين؟ أفيدوني أفادكم الله، وأرجو إفادتي بخطاب إلى بيتي خوفًا من الفضائح. شكرًا وسلامي عليكم ورحمة الله.
وبعد دراسة اللجنة للاستفتاء أجابت بأنه يجب على العبد الإيمان بقضاء الله وقدره خيره وشره، حلوه ومره، والرضا والتسليم مما قدر الله، والصبر على المكاره، ومنه إذا حصل في خلقته ما يباين صفة الآدميين من تشوه أو إعاقة، ومن ذلك أن يولد المرء خنثى، فإن العبد إذا صبر واحتسب آجره الله على ذلك، وليتجنب التسخط والجزع، فإنه يوهن الإيمان ويجر إلى الآثام.
إذا علم ذلك فإن من يولد خنثى لا يخلو من حالين:
الحالة الأولى: الخنثى غير المشكل، وهو من كان الغالب عليه علامات الذكورة، فيعامل معاملة الذكور في أمور عبادته وغيرها، ويجوز علاجه طبيًّا؛ مما يزيل الاشتباه في ذكورته. أو كان الغالب عليه علامات الأنوثة، فيعلم أنه أنثى فيعامل معاملة الإناث في أمور العبادة وغيرها، ويجوز علاجه طبيًّا؛ مما يزيل الاشتباه في أنوثته.
الحالة الثانية: الخنثى المشكل، وهو: من لم تتبين فيه علامات الذكورة أو الأنوثة عند البلوغ، أو مات وهو صغير، أو تعارضت فيه العلامات، فيعامل بالأحوط في أمور العبادة وغيرها.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.
الرئيس: عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ.
الأعضاء: بكر أبو زيد، صالح الفوزان، عبد الله بن غديان، انتهى.
فنخلص إلى أن من كان ذكرًا لا يجوز أن يتحول إلى أنثى، وأن ذلك كبيرة من الكبائر، والعكس كذلك. وأن هذا التغيير لا يحول حقيقته، فمن تحول من ذكر إلى أنثى يبقى ذكرًا، ومن تحولت من أنثى إلى ذكر تبقى أنثى، وذلك أن كثيرًا من الأشياء يستحيل تغييرها كالخلايا؛ فإن الخلايا الذكورية تبقى ذكورية والخلايا الأنثوية تبقى أنثوية والتلاعب بها لا يغير حقيقتها، ولذلك لا يمكن أن يحمل متحول إلا إذا كان هو خنثى وتغلب عليه الصفات الأنثوية، وعليه فالتعامل يكون على أصل الخلقة، فمن كان ذكرًا وتحول إلى أنثى فإنه يبقى ذكرًا وأحكامه أحكام الذكر، ومن كانت أنثى وتحولت إلى ذكر فتبقى أنثى وأحكامها أحكام الأنثى، هذا مع الإثم العظيم.
أما الخنثى المشكل فيُعامل بالأحوط.
وأما الخنثى غير المشكل فيُعامل بما غلب عليه من الذكورة أو الأنوثة. والله أعلم.
[وانظر كتاب: أحكام الجراحة الطبية والآثار المترتبة عليها، لمحمد بن محمد المختار الشنقيطي].

مشاركة المقال