رغم أن حياتنا تغصّ بالمصائب وتعجّ بالمحبطات، لكن أشد ما يؤلم قلبي ويصيبني بقدر ثقيل من الإحباط هو انحسار القدوات وسقوط كثير من المتدينين في امتحان الأموال، في عصر تقدّست فيه المادة وطغت عليه ثقافة الاستهلاك، في مقابل ضيق دوائر الصلاح والتدين والعبادة، حتى كادت أن تخرج منها حقوق الناس!
وفي هذا الطريق الموجع كم رأينا من متدينين يأكلون أموال الناس من دون وجه حق ومن دون أي وجل من الله أو وازع من ضمير!
وكم صادفنا من مستدينين لا يبذلون أي جهد جاد لإعادة ما عليهم من ديون لمن قدّروا ظروفهم وساعدوهم على تجاوز مآزقهم!
وكم شاهدنا من شركاء لا يتورعون عن خديعة شركائهم الذين وثقوا بصلاتهم واستأمنوهم على أموالهم، لكنهم استحلّوا خديعتهم واستباحوا أموالهم!
وكم سمعنا عن تجار لا يترددون عن غش زبائنهم من دون تردد أو خجل، ولا يتورعون عن تسويق بضائعهم الكاسدة بالأباطيل المنمقة والأيمان الكاذبة!
وللأسف الشديد فإن هؤلاء المخادعين يتكاثرون في مجتمعاتنا كما تتكاثر الخلايا السرطانية في جسم الإنسان، ويقع الناس في مصائدهم أكثر من غيرهم؛ لانخداعهم بصلاتهم وتلفعهم بأردية الصلاح!
ولا شك بأن هذا الخلل المريع قد جعل الأمانة نادرة الوجود عند طائفة عريضة من المتدينين الذين يحافظون على أداء الشعائر التعبدية، لكنها لا تنهاهم عن الفواحش والمنكرات ولا تكفّ أيديهم عن أكل أموال الناس بالباطل، مما يستدعي من العلماء والدعاة مراجعة شاملة وجادة لأساليب التربية القائمة لاكتشاف الفتوق والثغرات القائمة في مبانيها ومعانيها، ولتقويم الاعوجاجات وتكميل النواقص!