آخر الأخبار

الشافعي «بيتكلم» مصري !

بقلم | حاتم سلامة

اليوم فقط أتيح لي أن أشاهد الحلقة الثانية من مسلسل الامام الشافعي، بطولة خالد النبوي، دهشت كثيرا حينما وجدت المسلسل يستنطق المصريين باللغة العامية المصرية التي نحن عليها اليوم.
والعجيب أنها نالت استحسان الشافعي الذي يجسد شخصه هذا الممثل، ومحال أن يعجب إمام المسلمين بلغة غير لغة القرآن، حتى ولو أعجبته اللكنة، فلابد أن يوجه بسرعة انتشار العربية والأخذ بها.
لكني أتشمم رائحة غريبة وراء هذا الصنيع، فهي محاولة لإيهام المشاهد، أن العامية هي هوية المصريين منذ الأزل، وأنها لم تخضع حتى لتأثير الفاتحين ولا لدينهم، وعندما بحثت وجدت أن مصر بعد الفتح قد استقرَّ بها عدد كبير من القبائل العربية، فانتشر فيها الدين الإسلامي واللغة العربية بطيئاَ الانتقال بشكل تدريجي، حتى أصبحت في القرن الرابع الهجري لغة جميع أفراد الشعب المصري، ولم تُفرض اللغة العربية قسراً على المصريين بل كانت هناك أسباب امتدت لأربعة قرون أدت إلى انتشار العربية في كل ربوع مصر.

خلاصة الأمر..
أن العربية في حقبة الشافعي قد عرفها المصريون منذ زمن كبير، بل قيل حتى أنهم عرفوها قبل دخول الفتح، وبدؤوا يتدرجون عليها بقوة بعده، وبحظ وافر من نطقها وفهمها، مع احتفاظهم بلغاتهم الأولى، فصارت مزجا بين العربية والقبطية، والتي لم تكن طبعا للعامية الحالية أي دخل فيها أو شبه بها.
كما أن من المعلوم والمعروف أن العامية الحالية تدرجت وانحدرت عن العربية الفصحى، والكثرة الكاثرة من كلماتها، أساسها عربي مع بعض عوج في النطق واللكنات، فكيف يحدث هذا التدرج الذي نحن عليه اليوم، قبل حتى أن يتقن المصريون العربية في زمن الشافعي؟!
فقد أتقنوها كما نقلت في القرن الرابع الهجري، والشافعي كان في نهاية القرن الثاني.

كذب وتدليس
عجيب هذا الخلط، بل هو كذب وتدليس أراه أفسد المسلسل، وأفسد تذوقه، وهو الإفساد الذي انعكس سلبا على قيمة الشافعي وشخصه.
بل تعدى الأمر أن ينطق الإمام نفسه باللغة العامية في بعض الأحيان، وهو أمر غريب من السيناريو وإصراره على غمز قضية اللغة في كل حلقة، ومع كثير من المشاهد، وكأن العامية هي المهيمن والساحر والمؤثر في العربية الفصحى، وليس العكس، مما بدا شيئا سخيفا ممجوجا، وزائدا عن الحد.

جديد وغريب
هذا النمط في عرض المسلسلات التاريخية جديد وغريب، وله غرضه الواضح، ومأربه المكشوف، وهو الدعوة بكل صراحة..
أننا كمصريين لا شأن لنا بالعربية، فهي ليست لغتنا ولا يجب أن نتعصب لها.. أو أن تنال من نفوسنا قدسية.
بعض أصدقائنا الكرام قد لفت إلى أن الإمام الشافعي رضي الله عنه كان معروفا عنه سعة اطلاعه في علم الطب والتشريح حتي قال: لولا اشتغالي بالفقه لاشتغلت بالطب، فكيف يلجأ في الأحداث لراهب يطبب زوجته؟!
وهو أمر لا أثر له في ترجمته، اللهم إلا هوى السيناريو الذي له بعد أخر بهذا الموقف، وأجزم أنه بعيد عن مسألة الوحدة الوطنية وسماحة الاسلام مع أهل الكتاب، وإنما يخيل إلي أنه بُعد عنصري، على غرار قضية اللغة العامية.

مشاركة المقال