آخر الأخبار

القراءة الحداثية والليبرالية للقرآن!

بقلم | عبد الواحد عرمان

الملتقى اليمني

خلال الأيام السابقة، دار سجال طويل، انتهى بالبعض إلى إطلاق دعوات متطرفة ” فكريا” تصف المخالف لها بالقطيع والتخلف والرجعية، ومما قالوه بتعالٍ وغطرسة شديدة، أن نقرأ ونفهم القرآن بأنفسنا وأعيننا دون الحاجة إلى فهم السلف وعلومهم، ومن يسمع كلامهم، يظن أن هناك من قام بمنع الناس من قراءة القرآن وفهمه.
وبما أنهم دعونا أن نقرأ القرآن بأعيننا دون العودة لمفسرين، فدعونا نعود إلى القرآن وننظر هل ما قدموه من فهم هو فعلا في القرآن، أم أنهم كالذين في قلوبهم زيغ، يتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله.
وفي الحقيقة عندما نعود للقرآن، سنجد أنما يفنّد أطروحاتهم بشكل رئيس، ويستحق أن يُضرب بها عرض أقرب حائط شيئان اثنان:
أما الأول :
أن كل قارئ للقرآن سيجد أن الخطاب القرآني يتمركز بشكل رئيس حول قضية التوحيد، فلا تكاد تخلو سورة من سور القرآن من الدعوة لتوحيد الله عبر إفراده بالعبادة الظاهرة، والباطنة، قولاً، وعملاً، ونفي العبادة عن كل من هو سواه كائناً من كان. وكذلك توحيد الله وإفراده في أفعاله، وأنه الخالق والرازق، والمحيي والمميت .. الخ .. بل أن التوحيد كان هو مناط دعوات الرسل لأقوامهم، خذ مثالا سورة الأعراف، تناولت عدد من الأنبياء، وعند كل نبي تبدأ الآية بـ ” يا قوم اعبدوا الله مالكم من إله غيره “
والثاني :
أنك وأنت تقلب صفحات المصحف، ستجد أنه لا تكاد تخلو صفحة من صفحاته من ذكر الآخرة، إما بلفظ من ألفاظها، كالقيامة، أو يوم الوعيد، أو عذاب النار ونعيم الجنة .. الخ، حتى أن الواحد منا ليخجل أن يورد الأدلة على ذلك لكثرتها !
وأعتقد أن كل قارئ بسيط للقرآن – مهما كان علمه- لن تخفى عليه هذه الحقيقة، المتمثلة في مركزية التوحيد ومركزية الآخرة !
لذلك وأنت تقرأ ما يسمونه “فهمهم” ، لن تجد في حديثهم ولو حتى إلماحة طفيفة لهذه المواضيع، وفي المقابل حينما أعود لجل كتب السلف ومن سار على نهجهم، أجد أن فهمهم للقرآن وقبل ذلك الكون والحياه، يتمحور حول التوحيد والعمل للآخرة. فبالعقل من الأقرب لفهم القرآن ؟
أما إذا أردنا معرفة ما هي الخلفيات الفلسفية والفكرية لهذا الفهم السطحي والغير منضبط، فهي ببساطة محاولات لفهم القرآن عبر الأيديولوجية الليبرالية وبالأدوات الحداثية وال ما بعد الحداثية. فبدلا من أن يقدموا لنا مناهج جديدة لفهم النصوص بعيدا عن فهم السلف ومناهجهم – كما يدعوا – اتجهوا لفهم القرآن وفق فلسفة جون لوك، وكتابات المستشرقين، وتفكيكية جاك دريدا !
فالليبرالية ببساطة ترى أن الحرية قيمة مطلقة، وأن المحافظة على الحريات – حتى وإن ناقضت صريح الدين – هي أسمى الغايات، لذلك ستجدوا أن بعضهم يحاول إعادة فهم القرآن وفق هذه الرؤية، ومقالات مروان الغفوري الأخيرة مثال على ذلك.
أما القراءة الحداثية؛ فإن الحداثة تعني ببساطة ” فك السحر عن العالم” بمعنى إنكار الغيب، ورد كل شيء إلى العالم المادي المشاهد والمحسوس، لذلك حينما تقرأ ما يسمونه بالقراءة المعاصرة، ستجد أنهم ينفرون من كل ما هو غيب في القرآن، فيجعلون من دين الله دينا دنيويا فقط، فمثلا لن تجد آيات الآخرة في خطابهم، ولا آيات الإيمان بالغيب، مع أني كمسلم لا يصح إيماني مالم أؤمن بالغيب، حتى أن بعض غلاتهم تجرأ وقال، أن الآخرة التي أشار إليها القرآن هي موت الإنسان، وليست حياة أخرى !
أما القراءة الـ ما بعد حداثية فهي ببساطة ما نشاهده اليوم، فمصطلح ما بعد الحداثة في الدوائر الأكاديمية الغربية يشير إلى عالم لا مركز له، أي انتفاء وجود أي حقيقة مطلقة وإنما هناك “تصورك أو رأيك أنت عن الحقيقة” ، ليصبح التغير هو القيمة المطلقة والوحيدة في العالم، وبالتالي فإن كل إنسان سيكون له فهمه الخاص دون الخضوع لأية معايير عقلية أو علمية، ومن تجليات هذه الحركة، كان أثرها على قراءة النصوص الأدبية، عبر نزع سلطة النص عن نفسه وكاتبه، ونفي وجود معنىً واحدا للنص، وبالتالي جعل عدد المعاني مساويا لعدد القراء، وهذا ما نراه اليوم أن هناك من يأتي بأفكار خنفشارية فيلصقها بالقرآن، ويقول هذا فهمي أنا، دون أية ضوابط أو معايير، فيصبح النص سائلا مائعا يمكن تشكيله بالشكل الذي تريد، ومحمد شحرور أنموذجا، وهناك نماذج أخرى كثيرة !
ومن الأمثلة الطريفة على ذلك أن فنانة مصرية اشتهرت بلباسها الفاضح، وحينما سئلت عن تعمد إظهارها لمؤخرتها بهذا الشكل، أجابت أن الشرع يقول ” وأما بنعمة ربك فحدث ” .. ووفقا لنظرة أخواننا الحداثيين والليبراليين، هذه وجهة نظر يجب أن تُحترم !
أخيرا، دائما ما تشدني عباراة أحد الصحابة في قوله ” كنا نتعلم الإيمان قبل القرآن، ثم تعلمنا القرآن فزدنا به إيمانا”.
إن الإنسان حينما يدرك معنى وغاية وجوده على الأرض، قطعا ستختلف نظرته للقرآن والكون والحياة عموما، فمشكلتنا مع هؤلاء، في الأساس في سؤال الغاية، فبينما نرى نحن أن الغاية النهائية التي حددها الإسلام للإنسان على الأرض هي توحيد الله والإنقياد له وعبادته كما أمر هو صراحة في محكم كتابه، يروا هم أن تحقيق معنى الحرية -بالمفهوم الليبرالي- هو غاية الوجود على هذه الأرض، وبالتالي سيتمحور فهمهم للقرآن والدين وكل شيء حول هذه الرؤية .. ولم يتنبه هؤلا إلى أن كمال الحرية في الإسلام = تمام العبودية لله سبحانه وتعالى .. فبالله عليك وفق ادعاءاتهم وفهمهم المشوه، كيف لك أن تفهم وتتدبر آيات الغيب والعبودية، والروح والتزكية والإخبات والخشوع لله، كيف ستستطيع أن تتعامل مع القرآن وتتفاعل معه بروحك ووجدانك وقلبك، وأنت في واد وهو في واد آخر .… كيف !

مشاركة المقال