آخر الأخبار

بين المِحرَابِ والحِرَاب

بقلم | أنور الخضري

المسار

في إطار الميزان الإلهي عندما يتصارع البشر بعيدًا عن الهدي الإلهي فإنَّ الله تعالى يكل المتصارعين لذواتهم ولأنفسهم، لأنَّهم غالبًا لا يتوكَّلون عليه، ولا يأبهون بعونه، ولا يستغيثونه، بل يعتمدون على دهائهم وذكائهم وقدراتهم وقوَّتهم. حتَّى الطَّرف المظلوم يتركه الله ليتعامل مع خصمه على ضوء المعطيات المادِّيَّة، أمَّا عندما يستنجد هذا المظلوم بربِّه، معبرًا عن فقره وعجزه، ومستجيرًا بالله تعالى (وإن كان مشركًا مع الله غيره)، جاء الغوث الإلهي تحقيقًا للعدالة الإلهية والوعد الإلهي (لأنصرنَّك ولو بعد حين).
لذلك، مِن المهم جدًّا أن يعيد الإسلاميُّون، وخاصَّة المنخرطون في جماعاتهم وتنظيماتهم مِن أتباعهم، علاقتهم بالله تعالى، وهم يتصارعون ويتنازعون مع خصومهم وأعدائهم. وأن يوثِّقوا صلتهم بالله تعالى في محراب العبوديَّة معه مِن خلال ما يلي:
المداومة على الصَّلاة باعتبارها أعظم عبادة فرضها الله تعالى، وأمر بها، وجعلها حلقة الوصل بينه وبين عبده. بإقامة جميع أركانها وواجباتها وشروطها، وآدابها ما أمكن. وتبعًا لذلك، المداومة على قراءة القرآن الكريم وذكر الله تعالى على كلِّ الأحوال، ذكرًا يدفع للطَّاعة والتَّسليم والإخبات لأوامره ونواهيه، ويحي التَّقوى في النَّفس، كي لا تميل عن الحقِّ، ولا تنحرف عن العدل، ولا تنجرَّ إلى الفساد والظُّلم.
أن يتفقَّدوا نواياهم ومقاصدهم وغاياتهم ومطالبهم، ليكون الله تعالى ومراده هو الأعلى والمرجع والضَّابط، فيما يدور في نفوسهم مِن إرادات ونوايا ومقاصد. ذلك أنَّ مطامع الإنسان وغرائزه قد تتغلَّب على إخلاصه وصدقه مع الله تعالى، وهو ما يفسِّر ميول كثير مِن أبناء الحركات والجماعات الإسلاميَّة للدِّعة إلى الأموال والمناصب والمكاسب الماديَّة والشُّهرة، فيبيعون دينهم بعرض مِن الدُّنيا قليل، ويوالون مَن أغفل الله تعالى قلبه عن ذكره مِن أهل المناصب والأموال والشُّهرة والعلو في الأرض. والمجالسة والمصاحبة مكسبة للشَّر إذا أكثر الإنسان مِن مخالطة هذا النَّوع مِن النَّاس.
أن يعلِّقوا حاجتهم وافتقارهم وتوكُّلهم بالله تعالى، تعبيرًا عن عجزهم وضعف حيلتهم، وكمال وتمام الرُّبوبيَّة لله في خلقه. نعم، عليهم الأخذ بالأسباب جميعًا، وبذل طاقتهم ووسعهم، والعمل وفق السُّنن الإلهية في التَّمكين والنَّصر، لكنَّ هذه جميعًا لن تكافئ ما عند الأعداء إذا أغفل الإنسان معيَّة الله وحفظه وتأييده وعونه. فأهل الشَّر أكثر مِن أهل الخير، فلا يغترَّ الأخيار بكثرتهم. وأهل الإجرام أبشع بطشًا مِن أهل التَّقوى، فلا يغترَّ المتَّقون بقوَّتهم. وأهل الإفساد أعظم دهاء مِن أهل الإصلاح، فلا يغترَّ الصَّالحون بذكائهم.
ألَّا يملُّوا الوعظ والتَّذكير، ذلك أنَّ المنازعات والصِّراعات والحروب تقسِّي القلوب، وتجعلها صلبة، مظلمة، والمواعظ النَّافعة، والتَّذكير الطَّيِّب كالغيث على القلوب في زمن الفتن، وكالضِّياء للعقول في زمن الظُّلم، ومَن جفَّت مدامع عينه غارت منابع قلبه، فالعيون كاشفة القلوب، إن جفَّت جفَّت، وإن فاضت فاضت.
مِن هنا نعلم أهميَّة أن يعيد المجتمع للعلماء والدُّعاة الرَّاشدين المصلحين دورهم ومكانتهم في تعزيز دور المحراب والمنبر والمسجد والدِّين في نفوس الصَّفِّ الإسلامي، لأنَّ الصَّمت المطبق للمحراب والمنبر والمسجد سوف يحيل معسكر الخيِّرين مع طول الأمد إلى حراب بلا هوية ولا قضية ولا إيمان، وهذا أخطر شيء يصاب به المسلمون في معاركهم، وبداية للخسران المبين.

مشاركة المقال