تبذل حاليا جهود كبيرة من جهات مشبوهة لتزهيد أبناء المسلمين في الإسلام عقيدة وشريعة وأخلاقا ومنهاج حياة وذلك من خلال الترويج لمما يسمى “الإنسانوية ” التي هي حركة تهدف إلى تجاوز الأديان السماوية والقطيعة معها، وتزعم أن الأديان كلها صحيحة، وكل البشر إلى الجنّة، وتستبعد المضمون الديني في صياغة علاقة المسلم بغير المسلم ، وتطمس الأوصاف القرآنية التي ميّز الله على أساسها الناس، كوصف المؤمن والمسلم والفاسق والكافر والمشرك والمنافق، وتضع هؤلاء جميعًا في مرتبة واحدة مادام يعمل صالحا فتدعو إلى التعامل مع المعاني الصالحة والخيرة في الحياة بالإنسانيّة لا بالدين.
إن هذا التصور ” الإنسانوي ” يناقض ثوابت وقطعيات ديننا الإسلامي الحنيف ، ذلك إن معيار قبول العمل الصالح هو أن يقترن بالإيمان بدين الإسلام وقد تضافرت آيات القرآن الكريم على تأكيد هذا ومن ذلك قوله تعالى : ” وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا ” سورة طه : 112. وقوله تعالى : ﴿ وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا ﴾ النساء : 124، كما جعل الله تعالى الخسران صفة ملازمة للإنسان مالم يؤمن ويعمل صالحا قال عز من قائل ” ” وَٱلۡعَصۡرِ (1) إِنَّ ٱلۡإِنسَٰنَ لَفِي خُسۡرٍ (2) إِلَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ وَتَوَاصَوۡاْ بِٱلۡحَقِّ وَتَوَاصَوۡاْ بِٱلصَّبۡرِ (3) ” سورة العصر.
وقد روى الإمام مسلم في صحيحه أن أم المؤمنين عائشةُ رَضيَ اللهُ عنها أنَّها سَألتِ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عن عبدِ اللهِ بنِ جُدعانَ ، وكان يقوم ببعضِ ما يَشتملُ عليه الإسلامُ من أخلاقٍ، فهل سَتنفعُه أعمالُه الصَّالِحةُ تلك في آخِرَتِه وتُخلِّصُه من عذابِ اللهِ المُستحَقِّ بالكُفرِ، وهو لم يُؤمِنْ باللهِ، ” قُالتُ : ” يا رَسولَ اللهِ، ابنُ جُدْعانَ كانَ في الجاهِلِيَّةِ يَصِلُ الرَّحِمَ، ويُطْعِمُ المِسْكِينَ، فَهلْ ذاكَ نافِعُهُ؟ قالَ: لا يَنْفَعُهُ، إنَّه لَمْ يَقُلْ يَوْمًا: رَبِّ اغْفِرْ لي خَطِيئَتي يَومَ الدِّينِ “.
وإذا كان الله تعالى لا يثيب في الآخرة عن الأعمال الصالحة ألا من عملها وهو مسلم، فإن من تمام عدله سبحانه أنها يجازي الكافر في الدنيا عن الأعمال الصالحة التي قام بها، فقد رَوَى الإمام مُسلِمٌ عن أنسِ بنِ مالِكٍ رَضيَ اللهُ عنه، قالَ: قالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: ” إنَّ اللهَ لا يَظلِمُ مؤمِنًا حسنةً، يُعطى بها في الدُّنيا ويُجزى بها في الآخرة، وأمَّا الكافرُ فيُطعَمُ بحَسَناتِ ما عَمِلَ بها للهِ في الدُّنيا، حتَّى إذا أفْضَى إلى الآخِرةِ، لم تَكُنْ له حسنةٌ يُجْزى بها “.