أتابع بشكل تفصيلي ردة الشارع العراقي تجاه خبر تسريب أسئلة الامتحانات، فهذا هو المهم، لأن فساد الحكومات يزول بزوالها، أما إذا تحول الفساد إلى ثقافة شعبية فهذا هو الداء الذي ليس له دواء والظلام الذي ليس بعده ضياء.
الحمد لله أقولها بفمي الملآن وأنا أرى الشارع العراقي ينتفض بوجه هذا الخرق لأخلاقه ومنظومته التربوية والتعليمية، خاصة إخواني المعلمين وأخواتي المعلمات الذين عبّروا عن أقسى مشاعر الحزن والمرارة والألم.
وأنا متأكد كذلك أن منابر الجمعة سيكون لها دورها الفاعل في استدامة روح المقاومة لهذه الحالة النشاز والغريبة على ثقافتنا وحضارتنا وسمعة بلادنا.
أيها الغيارى
لا يثبطنكم قول من يقول: لماذا ثرتم كل هذه الثورة على تسريب أسئلة الامتحانات، ولم تثوروا على أصل الفساد وأساس الشر؟
فهذا القول مردود على صاحبه من وجوه:
أولًا:
من قال بأن شعبنا راض عن كل هذا؟ وهل هناك شعب قدم من التضحيات كما قدم أهل العراق من 2003 وإلى اليوم؟ نعم لم يحقق أهدافه لأن تحقيق الأهداف يحتاج إلى وحدة وتماسك وهذا هو ما نفتقر إليه، ونعترف بتقصيرنا فيه، أما أن يتهم شعبنا الأصيل بأنه راض عن هذا الذي يحصل فهذا وهم وفيه شيء من التجني والبهتان الظالم والآثم.
ثانيا:
أن انتفاض الجهاز المناعي للجسم تجاه جرثومة ما، معناه أن الجسم حي،
وتحفيز الجهاز المناعي بأي سبب مهما كان سيقوي حالة المناعة العامة وسيكون دافعا لمقاومة الجراثيم الأخرى،
سلوا الأطباء عن ذلك، وهذا يعني أننا يجب أن نستفيد من حالة الاستنفار هذه ولا نقتلها بعبارات اليأس والقنوط والتخديل.
ثالثا:
من الناحية الشرعية أنني إذا عجزت عن تغيير المنكر الأكبر المحمي بسلطان الدولة وأجهزتها القمعية
فهذا لا يعفيني من وجوب إنكار ما أقدر على إنكاره وتغيير ما أقدر على تغييره (واتقوا الله ما استطعتم).
إخواني أخواتي
إن قبول الغش في التعليم معناه أننا سنخرج قضاة ومعلمين وأطباء ومهندسين وأئمة وخطباء يهدمون ولا يعمرون، ويسيؤون ولا يحسنون،
لا يوثق بعلمهم ولا بتشخيصهم ولا بتحليلهم، فهل لكم أن تتصوروا كيف ستكون حياتنا؟
وفي أي هاوية سيكون مستقبلنا ومستقبل بلادنا -لا قدر الله-؟
إن الأم التي تفرح بنجاح ابنها وهي تعلم أنه ناجح بالغش،
فإنها تكون كمن دست السم في قطعة الحلوى وأعطتها للغافلين من أهلها وأقربائها وأبناء مجتمعها،
هذا فوق أن ابنها إن توظف بهذه الشهادة فإنه يأكل هو وأهل بيته سحتا ومالا حراما،
لا ينفع معه ندم ولا تصلحه توبة، وعذاب الله في الآخر أشد وأخزى،
ويكفي عن كل ذلك براءة سيد الخلق سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام من الغش والغشاشين حيث قال في الحديث الصحيح (من غش فليس منا)
لذا فإني أهيب بقادة الرأي وأهل العقل والحكمة في مجتمعاتنا وكل صاحب كلمة؛
الخطباء والشعراء والكتاب والمغردين أن يعملوا على ترسيخ قيمنا الإسلامية الأصيلة
وأن يبثوا الوعي المطلوب لاستدامة المقاومة الواعية لحالة الفساد بكل أنواعه،
وأن يفضحوا هؤلاء الخونة وبائعي الضمير مهما كانت أسماؤهم وعناوينهم، فهذا واجبنا الشرعي والأخلاقي والوطني ، (ولينصرن الله من ينصره)
د. محمد عياش الكبيسي
مفكر وداعية اسلامي، دكتوراه في الفقه الاسلامي