تحتضن بلدة بروساك وسط البوسنة والهرسك فعاليات المهرجان “أيواز دادا” الذي يرمز إلى ذكرى اعتناق البوسنيين الإسلام.
ويعد المهرجان من أطول مهرجانات البلاد، حيث يستمر لأيام، ويحيي فيه آلاف البوسنيون ذكرى دخولهم الإسلام عبر شخص يُدعى “أيواز دادا”، حسب الروايات التاريخية.
ويتوجه الناس من كل الفئات العمرية ومن كل أنحاء البلاد إلى مركز المهرجان في بروساك، بلباسهم التقليدي وبمشاركة الخيالة.
وفي حقبة الشيوعية التي حكمت يوغسلافيا السابقة حظرت الاحتفال بهذه المناسبة منذ عام 1947 وحتى عام 1990. وفي كلمة له خلال المهرجان، قال أحمد عادل أوفيتش، مفتي مدينة “ترافنيك” البوسنية ورئيس اللجنة المنظمة للمهرجان، إن احترام المجتمعات لماضيها وتاريخها، ضرورة لمستقبل جيد.
بدوره، أشاد رئيس الاتحاد الإسلامي في البوسنة والهرسك، حسين قاواز أوفيتش، بتاريخ وماضي الشعب البوسني. وشمل الاحتفال فقرات إنشادية واستعراض الأحصنة والملابس والتقليدية. اعتنق عدد كبير من البوسنيين الإسلام بعد الفتح العثماني للمنطقة في النصف الثاني من القرن الـ15، لكن إسلام البوشناق كان تدريجياً واستغرق ما يصل لقرنين من الزمان حتى أصبح دين الأغلبية.
70% من السكان
ويمثل المسلمون في البوسنة والهرسك نحو 70% من السكان في الجمهورية الناتجة عن تفكك يوغوسلافيا سابقا، لذلك فإن بقية السكان هم من الصرب والكروات المسيحيين. وتقع في جنوب أوروبا، ويحدها من الشمال والغرب والجنوب كرواتيا، من الشرق صربيا والجبل الأسود. لها منفذ من جهة الجنوب الغربي على البحر الأدرياتيكي (تسيطر عليه كرواتيا). وكان لموقعها دور مهم في الفتوحات الإسلامية للجيوش العثمانية التي عبرت منها كقاعدة وصولا لبلجراد وحتى أسوار فيينا.
وفي ذروة احتدام الصراع بين الروس والعثمانيين، أعلنت روسيا الحرب للثأر لأتباعها من الصرب “أرثوذكس”، وبالفعل تمكن الروس في ظل تدهور القيادات العثمانية وضعفها من اقتطاع مساحات وانتصارات على العثمانيين مما أنذر باختلال موازين القوى في تلك المنطقة من أوروبا، فقامت الدول الأوروبية بزعامة النمسا بتوقيع معاهدة برلين الثانية والتي بمقتضاها انتُزعت البوسنة ومقدونيا من العثمانيين وحصلت صربيا والجبل الأسود على استقلالهما وبمقتضى المعاهدة أصبحت البوسنة تحت حكم انتقالي بقيادة المجريين والنمساويين الذين عملوا على التضييق على المسلمين وحرصوا على قطع كل العلاقات بين إسطنبول والزعامات البوسنية تأكيدا لذلك وقاموا بما اعتُبر تحريضًا واجراءات تعسفية ضد المسلمين الأمر الذي أدى إلى قيام حركة هجرة كبيرة.
مذبحة سربرنيتشا
وتعرض المسلمون لإبادة جماعية وتهجير قسري راح ضحيته نحو 200 ألف مسلم في مذبحة سربرنيتشا الشهيرة وحدها وتهجير نحو مليوني مسلم، والسبب كان إعلان استقلال البوسنة والهرسك عن يوغوسلافيا في أكتوبر عام 1991، الأمر الذي رفضه الصرب رغم أن الاستقلال جاء بناء على استفتاء وكانت نسبة المشاركة فيه 63.4% وقد صوت لصالح الاستقلال 99.7% من الناخبين.
واستعادت الصحيفة والباحثة جنين دي جيوفاني -زميل أقدم بمعهد جاكسون في جامعة ييل الأمريكية- بالقول إنها غطت الحرب في البوسنة في منتصف التسعينيات وأنها تعي ما رأت، حيث سافرت إلى سراييفو المحاصرة ومناطق التطهير العرقي أو الابادة الجماعية وإلى وسط البوسنة حيث قابلت ضحايا معسكرات الاغتصاب وحملات القصف والأمهات اللائي قتل أطفالهن.
الجذور المسيحية
وكان للمسيحية جذور ضحلة نسبياً في البوسنة قبل الهيمنة العثمانية، وافتقد البوشناق بخلاف شعوب الصرب والكروات لكنيسة مسيحية قوية لقلة الكهنة والتنافس بين الكنائس الأرثوذكسية والكاثوليكية والبوسنية المنشقة التي انهارت قبل وقت قصير من وصول العثمانيين.
وفي تأريخه لهذا التحول الكبير، اعتبر المؤرخ والمستشرق البريطاني الشهير توماس أرنولد (1864-1930) أن أتباع الكنيسة البوسنية كانوا أكثر تقبلاً لاعتناق الإسلام نظراً لأنهم كانوا ينظر إليهم باعتبارهم مبتدعين من قبل الكنيسة الكاثوليكية، وكان تدينهم مختلفا عن المذاهب المسيحية الشائعة، فقد رفضوا تقديس مريم العذراء ورفضوا الصليب كرمز ديني واعتبروا أن الانحناء أمام الأيقونات والرموز الدينية يحمل طابعاً وثنياً، بحسب “الأناضول”.
تحول تدريجي
واستمر التحول التدريجي للإسلام بمعدلات مختلفة بين المجموعات المختلفة في المنطقة، وكان في المناطق الحضرية، التي كانت بمثابة مراكز للتعلم والإدارة العثمانية، أكثر من الريف، كما كان التحول الديني أكثر شيوعاً بين طبقة التجار، وبحلول القرن الـ 17، كانت غالبية سكان البوسنة مسلمين.
وظلت البوسنة والهرسك مقاطعة في الإمبراطورية العثمانية وحصلت على الحكم الذاتي بعد انتفاضة البوسنة في عام 1831، وبعد مؤتمر برلين عام 1878 لرسم حدود أراضي دول البلقان في أعقاب الحرب الروسية التركية بين عامي 1877 و1878، أصبحت البوسنة والهرسك تحت سيطرة الإمبراطورية النمساوية المجرية التي أقرت دستورا يسمح بحرية الدين.
وبعد طرد السكان المسلمين من العديد من مناطق البلقان في فترة الاضطرابات نهاية القرن الـ١٩، ظلت البوسنة، إلى جانب ألبانيا وكوسوفو، هي الأجزاء الوحيدة من الإمبراطورية العثمانية في البلقان حيث تحولت أعداد كبيرة من الناس إلى الإسلام، وظلوا هناك بعد الاستقلال عن العثمانيين.
وحسب الروايات التاريخية، فإن “أيواز دادا” المنحدرة أصوله من منطقة الأناضول التركية، وصل إلى “بروساج” البوسنية قبل 510 أعوام، في وقت كانت تشهد فيه المنطقة شحاً في المياه.
وعقب دعائه وعبادته في المنطقة لـ 40 يوما، عثر “أيواز دادا” على نهر ينحدر من أحد الجبال، واستطاع بذلك تخليص السكان من القحط والجفاف، الأمر الذي اعتبروه كرامة، واعتنقوا على إثره دين الإسلام.
منظمة أوروبية
ويحاول مسلمو البوسنة إيجاد منظمة ينضوي تحت لوائها ملايين المسلمين في أوروبا تشرف على ما يدرس في المدارس الإسلامية والمساجد.
ولا يكتفي تسيريتش بتوجيه اللوم إلى أوروبا, لكن أيضا إلى المهاجرين من المسلمين, فـ”أوروبا لم تقبل بعد المسلمين بالشكل الذي يستحقونه, لكن وللأسف فإن المسلمين لم يتحملوا مسؤولياتهم في أوروبا”.
ويضيف أن “المسلمين لا يملكون خيارا آخر إلا أن يجتهدوا من أجل حضورهم في أوروبا, وأن يظهروا أنهم جاهزون لقبول قيم حقوق الإنسان والديمقراطية والشفافية والمحاسبة وسيادة القانون وكل القيم التي هي أيضا قيم إسلامية”.