مما لا أشك فيه أن لبعض إخواننا الدعاة الذي ظهروا مؤخراً في صف الأقيال مناصرين ومدافعين؛ هدفاً نبيلاً وهو: الامساك بمسمى الأقيال من التفلت والهرولة نحو الزندقة والإلحاد الذي ظهر على بعضهم؛ وهذا هدف نبيل يشكرون عليه إن قصدوا الإصلاح والتهذيب، وقاموا بواجب النصح والتسديد، ولكن: ربما غاب عن بال إخواننا هؤلاء أنهم يشاركون في إنشاء وبعث نزعة طائفية ودعوى جاهلية جديدة لا تقل شراً وخطراً في المستقبل عن طائفية وجاهلية السلالية التي نحاربها جميعًا!!
وذلك أن مسمى الأقيال الجديد ليس مجرد وصف سبق استعماله وتناقله التأريخ لزعماء ورؤساء وحكام إقطاعيين مروا أو تعاقبوا على حكم اليمن، مثالهم مثل شيوخ القبائل الحاليين، كان منهم المؤمن ومنهم الكافر، وفيهم الجائر والعادل، وهذا الوصف لا يفيد في أصل وضعه قدحاً ولا مدحاً؛ ولكنه تحول اليوم وكما يبدو لكل متابع إلى نزعة قومية صاخبة؛ يتمحور حولها مجموعة أشخاص متفاوتين في مشاربهم وثقافتهم، يوالون ويعادون على هذه النزعة، وليس لهم ضوابط ولا كوابح شرعية، وبدأت تفوح من بعضهم روائح وتجاوزات غير مطمئنة ولا مبشرة بخير!!
وهذه النزعات في أصلها شعوبية مقيتة وجاهلية صرفة، وما كان الإسلام لينهى عن التفاخر بالسلالة الهاشمية ويذمها ثم ليقر في الوقت نفسه التفاخر بالقيلية اليمانية؛ والسلالية القحطانية!!
فالعنصريات لا تنصر حقاً ولا تميت باطلاً، وقطعاً سيكون الانتماء لها غداً هو البديل عن الانتماء للسنة وربما البديل عن الانتماء للإسلام نفسه!!
والفكر ال ح و ث ي وإن كان رأس كل خطيئة في اليمن، ومقاومته من الأولوية والأهمية بمكان، إلا أنه لا يبرر السكوت عن الانحرافات الأخرى وإن كانت مناوئة لمشروعه .
فمحاربة جاهلية السلالية لا يمكن أن تكون بإنشاء سلاليات وطائفيات ونزعات أخرى مشرِّقةً ومغرِّبة؛ فإن الله لا يمحو الخبيث بالخبيث، ولكن يمحو الخبيث بالطيب.
فالجهل يحارب بالعلم، والبدعة بالسنة، والظلم بالعدل، والتفرق بالاعتصام بالشرع، والاجتماع على الأخوة الإيمانية وليس على القيلية اليمانية!!
ونذكر إخواننا هؤلاء بمنهج أهل الرسوخ في العلم: فإنهم لم يسكتوا عن انحراف الخوارج بحجة التفرغ لمحاربة الرافضة!!
ولم يتسامحوا مع المرجئة بحجة مواجة الوعيدية!!
ولم يصمتوا عن ضلالات المشبهة بدعوى التصدي لكفر المعطلة!!
ولم يغضوا الطرف عن الجبرية حتى يدحروا بدعة القدرية!!
بل واجهوا كل الانحرافات، وتصدوا لجميع الضلالات، وصالوا بالحق في كل المجالات؛ فالباطل باطل ولو جاء من أهل الحق؛ لا يقرر ولا يمرر، والميزان هو الشرع لا سواه.
والاعتزاء بالإسلام لا بغيره؛ والتحاكم والرد عند الاختلاف لا يكون إلا لله والرسول؛ ولا مرجعية للمسلم غير الكتاب والسنة وما أجمعت عليه الأمة.
قال تعالى: ﴿ .. فَإِن تَنازَعتُم في شَيءٍ فَرُدّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسولِ إِن كُنتُم تُؤمِنونَ بِاللَّهِ وَاليَومِ الآخِرِ ذلِكَ خَيرٌ وَأَحسَنُ تَأويلًا﴾ [النساء: ٥٩].
وفي الحديث الصحيح قال ﷺ : «ومن قاتل تحت رايةٍ عَمِيَّةٍ، يغضبُ لعَصَبِيةٍ، أو يَدْعُو إلى عَصَبِيَّةٍ، أو ينصرُ عَصَبِيَّةً، فقُتِلَ، فقَتْلُه جاهليةٌ؛ ومَن خَرَجَ علَى أُمَّتِي، يَضْرِبُ بَرَّها وفاجِرَها، ولا يَتَحاشَى – وفي رواية : لا يَتَحاشَ – مِن مُؤْمِنِها، ولا يَفِي لِذِي عَهْدٍ عَهْدَهُ، فليسَ مِنِّي ولَسْتُ منه».
رواه مسلم .
وعند أبي داوود وغيره : «لَيْسَ مِنَّا مَنْ دَعَا إِلَى عَصَبِيَّةٍ، وَلَيْسَ مِنَّا مَنْ قَاتَلَ عَلَى عَصَبِيَّةٍ، وَلَيْسَ مِنَّا مَنْ مَاتَ عَلَى عَصَبِيَّةٍ».
فنصيحتي لإخواني الدعاة ألا تأخذهم ثائرة الانتصار على السلالية إلى دائرة التسويغ والتشريع للانحرافات الأخرى؛ وألا ينجروا في حمأة هذا الصراع وتأثيرات الجماهيرية إلى السكوت ولزوم الصمت، فضلاً عن الإقرار والرضى بما ينشر من انحرافات العبهلة والقيللة!!
وأن يقوموا بواجب البيان والنصح والتوجيه وأسلمت هذه التوجهات، ومعالجة تلك النتوآت حتى لا يستفحل شرها في المستقبل ويتسع الخرق على الراقع .
ونصحيتي لإخواننا المعتزين والمفاخرين بالعباهلة والأقيال والأذواء والمشابيب وغيرها من المسميات والألقاب؛ أن يعتزوا بإسلامهم، ويتسلحوا بعقيدتهم، ويراجعوا تصحيح مسارهم؛ فالأمة لم تجن من وراء القيوميات والحزبيات المبنية على غير هدى من الله سوى التشرذم ومزيد من الفرقة والوهن والضعف؛ ولم تسترجع حقاً مسلوباً، وها هي فلسطين قريباً من سبعة عقود لم تغن عنها القومية شيئاً؛ ولم تزد صفها إلا خبالاً؛ فدعوها فإنها منتنة!!
وأذكركم بقول الفاروق عمر رضي الله عنه، “نحن قومٌ أعزنا اللهُ بالإسلام، فمهما ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله!”.
أبي الإسلامُ لا أبَ لي سواهُ
إذا افتخروا بقيسٍ أو تميمِ!
هذا والله من وراء القصد وهو حسبنا ونعم الوكيل .