آخر الأخبار

«تحرير المقام في حديث الأئمة من قريش»

د. فضل مراد عضو ومقرر لجنة الاجتهاد والفتوى بالاتحاد العالمي لعلماء المسلمين

هذا خلاصة بحث قبل أكثر من خمسة عشر عامًا..

  • التنبيه الأول: يعلم القاصي والداني أني أقرر ما أراه بدون تعصب ولا تقليد ولا تبع لحزب أو جماعة أو عصبية،

وأصنع ذلك بعد بحث مستفيض للمسائل رواية ودراية، وما أقوله منطلق من العلم والنظر لا التعصب والتحزّب والتقليد فمن وجد مني ما يمكن أن تستدل به طائفة على قولها؛ فليعلم أني ما قررت ذلك لأحد بل لتحرير علمي فقط، ومن وجد مني خطأ فنبهني بالعلم والنظر من الكتاب والسنة والإجماع والقياس الصحيح فجزاه اللهُ خيرًا لا بالقال والقيل والمناضلة عن مذهب أو قول، فهذا لا ينفق في ميدان النزال العلمي.

وكنت قررت قبل ربع قرن من اليوم أنّ الصلاة الإبراهيمية لم يثبت في حديث واحد أنها في التشهد في الصلاة مع أنّها ثابتة بلا شك خارج الصلاة وهي صيغة جامعة صحيحة بلا خلاف
لكن لم يصح أنها في التشهد الأخير في الصلاة، ولا شأن لهذا القول بتحديد من هم الآل فهذا له محل آخر في كتب الفقه كما هو معروف فمن صلى على الآل فله نيته كائنًا من كان.

كذلك لم يقل أحد من الأئمة الأربعة أن الصلاة على الآل ركن في الصلاة، لكن أكثر العلماء في المذاهب أنها سنة لا ركن هذا في النظر الجملي، فهذا تنبيه هام على فيديو انتشر عني، وهو قبل مدة طويلة وهو سؤال علمي على الهواء ولا علاقة له بسياق معين أو تعصب معين أو حدث معين -فافهموا رحمكم الله-، فمن وظف أي فتوى في غير سياقها فلا علاقة لما بيّنا من العلم والفقه بتوظيفه.

وقد انبرى البعض للرد حينها فقرأت كلامه، فلم أجد ما يمكن أن يناقشه العاقل؛ لأنه لم يأت بشىء، وإنما نناقش المنصفين العقلاء لا المقلدة المتعصبين.

  • التنبيه الثاني: «حديث الأئمة من قريش..»

بهذا اللفظ قررت قبل أكثر من خمسة عشر عامًا في دروسي بجامعة الإيمان أنه ضعيف، ثم بيّنتُ ذلك في المقدمة في فقه العصر، وقد أعدّت بحثه باستفاضة بعد ذلك ومن ادعى الإجماع في المسألة فقد أخطأ
وبيان ذلك:-

أنه جاء من حديث ستة من الصحابة حديث أبي هريرة وهو معل بالوقف قاله الترمذي، حديث أبي بكر وتلك اللفظة ضعيفة شاذة وقد ضعفها الحفاظ، حديث أبي برزة أعله البخاري في التاريخ بالوقف،
حديث علي أعله الدارقطني في العلل بالوقف، حديث أنس لا أصل له كما قال أحمد وله طرق ست كلها ضعيفة، وقد حاول الألباني تصحيحه أو تحسينه فلم يصب..

والحاصل في هذا ما يلى:-

1- حديث أبي هريرة «الملك في قريش، والقضاء في الأنصار، والأذان في الحبشة، والشرعة في اليمن، والأمانة في الأزد» قلت:- وقفه ابن مهدي، ورفعه زيد بن الحباب والأصح قول ابن مهدي كما قال الترمذي أخرجه الترمذي (5/ 727).

2- وأما حديث أبي بكر من طريق المسند فشاذة مخالفة لما في الصحيحين، كما أنه منقطعة كما قال الحافظ في الفتح، والهيثمي وأبو زرعة وفيه قال أبو بكر لسعد بن عبادة: «ولقد علمت يا سعد أنّ رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال وأنت قاعد “قريش ولاة هذا الأمر».
“المسند” (1/ 5).
قال الهيثمي: ورجاله ثقات إلا أنّ حميد بن عبد الرحمن لم يدرك أبا بكر” المجمع (5/ 191)
قال أبو زرعة: حميد بن عبد الرحمن بن عوف عن أبي بكر مرسل (المراسيل ص 49).

3- حديث أبي برزة أعله البخاري بالوقف بلفظ:- «الأئمة من قريش إذا استرحموا رحموا، وإذا عاهدوا وفوا، وإذا حكموا عدلوا، فمن لم يفعل ذلك منهم، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين». أخرجه أحمد (4/ 421)

  • قال البخاري: قال لنا عارم: حدثنا سكين بن عبد العزيز، سمع سيار بن سلامة، سمع أبا بَرزة، عن النبي صَلى الله عَليه وسَلم قال: الأمراء من قريش.
    وروى عوف، وغيره، عن سيار، لم يرفعوه. «التاريخ الكبير»(4/ 160)وانظر «المسند المصنف المعلل» (26/ 312):

4- أما حديث علي فهو مضطرب فمرة رفعه ومرة وقفه وصحح الدراقطني أنه موقوف.

إذًا فهو كلام علي لا من كلام النبي- صلِّ الله عليه وسلم-
قال علي:- «الأئمة من قريش، أبرارها أمراء أبرارها، وفجارها أمراء فجارها، ولكل حق، فآتوا كل ذي حق حقه، وإنْ أُمر عليكم عبد حبشي مُجَدَّع، فاسمعوا له وأطيعوا ما لم يُخير أحدكم بين إسلامه، وبين ضرب عنقه، فإنْ خيّر بين إسلامه وبين ضرب عنقه، فليمدد عنقه، ثكلته أمه، فلا دنيا ولا آخرة بعد ذهاب إسلامه». «علل الدارقطني = العلل الواردة في الأحاديث النبوية» (3/ 198).

5- أما حديث أنس من طريق إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري عن أبيه عن أنس رفعه «الأئمة من قريش إذا حكموا عدلوا، وإذا عاهدوا وفوا، وإنْ استرحموا رحموا، فمن لم يفعل ذلك منهم فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل منهم صوت ولا عدل».

قال الامام أحمد لا ينبغي أنْ يكون له أصل [الكامل 1/ 246]
واستعجل الألباني وقال الألباني: “وإسناده صحيح على شرط الستة فإنّ إبراهيم بن سعد وأباه ثقتان من رجالهم”. [الإرواء 2/ 298].

وتعقبه في أنيس الساري «أنيس الساري (تخريج أحاديث فتح الباري)» (3/ 2474):
فقال : لم يخرج أحد من الستة رواية سعد بن إبراهيم عن أنس، وما أظنّه سمع منه فقد قال ابن المديني: لم يلق سعد بن إبراهيم أحداً من أصحاب النبي – صلى الله عليه وسلم -.
ومما يقوى أنّه لم يسمع منه، أنّه لم يذكر سماعًا عند جميع من ذكرت ممن أخرج حديثه هذا والله أعلم انتهى كلامه.

قلت:- له طرق أخرى مضطربة ضعيفة لا تقوم بها حجة خاصة في مثل هذا الأمر الخطير
قال أحمد في «الجامع لعلوم الإمام أحمد – علل الحديث» (15/ 161): «حديث أنس -رضي اللَّه عنه-:«الأئمة ‌من ‌قريش». قال الإمام أحمد: ليس هذا في كتب إبراهيم، لا ينبغي أن يكون له أصل»

وقال في «الجامع لعلوم الإمام أحمد – علل الحديث» (15/ 162): «ما جاء في خلافة قريش فيه حديثان:-

  • الأول: حديث ثَوْبَانَ -رضي اللَّه عنه-: “اسْتَقِيمُوا لِقُرَيشٍ مَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ”. قال الإمام أحمد: ليس بصحيح، سالم بن أبي الجعد لم يلق ثوبان.
  • الثاني: حديث أم هانئ مثله.
    قال الإمام أحمد: ليس بصحيح هو منكر.
    وقال مرة: الأحاديث خلاف هذا، قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: “اسْمَعْ وَأَطِعْ وَلَوْ لِعَبْدٍ مُجَدَّعِ” وقال: “السمع والطاعة في عسرك ويسرك وأثره عليك” فالذي يروى عن النبي -صلى الله عليه وسلم- من الأحاديث خلاف حديث ثوبان ما أدري ما وجهه»
    انتهى كلام أحمد.

قلت:- أما أحاديث الصحيحين
فلا دلالة فيها وهي: خمسة

«صحيح البخاري» (9/ 62 ط السلطانية):
7139 – حدثنا ‌أبو اليمان، أخبرنا ‌شعيب، عن ‌الزهري قال: كان ‌محمد بن جبير بن مطعم يحدث: «أنه بلغ معاوية، وهو عنده في وفد من قريش: أن عبد الله بن عمرو يحدث: أنه سيكون ملك من قحطان، فغضب، فقام فأثنى على الله بما هو أهله، ثم قال: أما بعد فإنه بلغني أن رجالا منكم يحدثون أحاديث ليست في كتاب الله، ولا توثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأولئك جهالكم، فإياكم والأماني التي تضل أهلها، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن هذا الأمر في قريش، لا يعاديهم أحد إلا كبه الله على وجهه، ما أقاموا الدين» تابعه نعيم، عن ابن المبارك، عن معمر، عن الزهري، عن محمد بن جبير
قلت:- غضبة من معاوية يريد بها إبطال حديث قحطان وهو إنكار سياسي ولا علم له بهذا الحديث فقد رواه أبوهريرة وابن عمرو كما في الصحيحين..

أما من جهة الدراية فهذا لا دليل فيه علي شرط القرشية في الخلافة؛ لأن منع المعاداة على الخلافة عامة لقريش ولغير قريش كما ثبت في الصحاح من الصبر على الأئمة من كانوا وعدم الخروج عليهم، أما أن الأمر في قريش فهي جملة خبرية أي : أن الأمر بمعنى الخلافة أو الامارة سيكون في قريش ما لم ينحرفوا عن الدين فأين الشرط في هذا؟!

ولو كان أمرًا لاستدل به الصحابة حين بيعة السقيفة، ولم يثبت في أي طريق صحيح أنهم استدلوا به أبدا، وليس فيها إلا شبه هذا اللفظ عند أحمد من طريق ضعيف مخالف لطرق الأثبات في الصحيحين وغيرها فيدل على الشذوذ وقد أخطأ من الفقهاء لعدم درايتهم بالحديث فحكوا أن الصحابة استدلوا به
وكم لهم من فواقر ينسبونها للنبي وهي كذب محض.

وقد أراد عمر ابن الخطاب فيما صح عنه تولية الخلافة معاذ ابن جبل وهو يمني لا قرشي فهذا دليل على ما ذكرنا.

والحديث الثاني:- في «صحيح البخاري»(9/ 62 ط السلطانية):
قال ‌ابن عمر : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقي منهم اثنان.»وهذا له معان:-

1- قوله لا يزال هذا الأمر في قريش معناه أي الإسلام وهو دليل على أنهم يكونون على الإسلام إلى قيام الساعة، وهذا أرجح تأويل للحديث وفيه فضيلة لقريش في على هذا التأويل.

2- أنه خبر وليس أمرًا بمعنى أنه سيكون فيهم ذلك الأمر ولو في أي بقعة من الأرض فهذا محتمل، كما هو اليوم في بعض الدول فإن بعضها من قريش
أما لو كان أمرا للزم منه باطل وهو أن الأمة أجمعت على ضلالة؛ لأنها أجمعت على خلافه فقد ولي الإمامة العظمى غير القرشيين من أيام العثمانيين وفي الأندلس وغيرها وإلى أيامنا هذا كما أنه لو كان أمرًا لفهمه الصحابة واستدلوا به في السقيفة وهم أحوج الناس إليه.

وأما حديث جابر ففي «صحيح مسلم» (6/ 2 ط التركية):
يقول: قال النبي -صلى الله عليه وسلم- : « الناس تبع لقريش في الخير والشر..»، فهذا لا دلالة فيه على شيء من الإمارة ولا الخلافة؛ لأنه لو كان أمرا لكان فيه إيجاب الإمارة لأهل الشر والكفر من قريش وهذا باطل
يخالف ما تقدم من حديث معاوية..

وهكذا ما أخرجه مسلم في «صحيح مسلم» (6/ 2 ط التركية): ‌عن أبي هريرة، عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فذكر أحاديث منها: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « الناس تبع لقريش في هذا الشأن، مسلمهم تبع لمسلمهم وكافرهم تبع لكافرهم..»

فهذا معناه في الإسلام في ذلك الوقت؛ لأن قريشا لما أسلمت وفتحت مكة تبعها الناس
ولو كان معناه في الخلافة لناقض الشريعة؛ لأن معناه سيكون الخليفة من قريش ولو كافرًا ويكون خليفة على الكفار والخليفة من قريش على المسلمين وهذا فاسد لا تقبله الشريعة فكيف يفرض لقرشي الخلافة وهو كافر على الكفار وكيف يسمى الكافر خليفة
فدل على بطلان هذا التأويل.

أما حديث جابر بن سمرة في «صحيح مسلم» (6/ 3 ط التركية): يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا يزال الإسلام عزيزا إلى اثني عشر خليفة، ثم قال كلمة لم أفهمها، فقلت ‌لأبي : ما قال؟ فقال: كلهم من قريش..»
فهذا لا علاقة له بشرط الخلافة ولا الإمارة سوى أنه يخبر أن الإسلام سيعز شأنه إلى اثني عشر خليفة من قريش، ثم يأتي غيرهم وهو دليل على خلافة غيرهم..

وليس فيه أن الإسلام يذل مع غيرهم، بل القرآن والسنن دالان أن الإسلام عزيز منيع ظاهر إلى يوم القيامة كما في قوله تعالى
(ليظهره على الدين كله ولو كره الكافرون)

ويدل على مجئ غيرهم حديث ملك رجل من قحطان والحديث الصحيح كان الأمر في حمير فنزعه الله فجعله في قريش وسيعود لحمير قال الحافظ وهو يتكلم عن نزع الأمر من قريش تاريخيا «فتح الباري لابن حجر» (13/ 116): «عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ‌كان ‌هذا ‌الأمر ‌في ‌حمير فنزعه الله منهم وصيره في قريش وسيعود إليهم»، وسنده جيد وهو شاهد قوي لحديث القحطاني فإن حمير يرجع نسبها إلى قحطان وبه يقوى أن مفهوم حديث معاوية ما أقاموا الدين أنهم إذا لم يقيموا الدين خرج الأمر عنهم ويؤخذ من بقية الأحاديث أن خروجه عنهم إنما يقع بعد إيقاع ما هددوا به من اللعن أولا وهو الموجب للخذلان وفساد التدبير وقد وقع ذلك في صدر الدولة العباسية ثم التهديد بتسليط من يؤذيهم عليهم ووجد ذلك في غلبة مواليهم بحيث صاروا معهم كالصبي المحجور عليه يقتنع بلذاته ويباشر الأمور غيره ثم اشتد الخطب فغلب عليهم الديلم فضايقوهم في كل شيء حتى لم يبق للخليفة إلا الخطبة واقتسم المتغلبون الممالك في جميع الأقاليم ثم طرأ عليهم طائفة بعد طائفة حتى انتزع الأمر منهم في جميع الأقطار ولم يبق للخليفة إلا مجرد الاسم في بعض الأمصار». انتهى كلامه

قلت:- أما غير ذلك من الأحاديث فليس فيه أي حديث صحيح صريح، وما جمعه الحافظ من المكذوبات والواهيات والضعاف والحسن والصحاح في جزء جمع فيه حديث الأئمة من قريش..

فليس فيها التصريح بأن الأئمة من قريش إلا ما ذكرت لكم من الستة الأحاديث..

أما غير ذلك فهي إما بعيدة عن الموضوع أو يمكن أن تكون كالصريحة لكنها واهية أو مكذوبة وقد تتبعت كلامه في ذلك الجزء

وهو إنما جمع ليثبت الوجود كما هو عادة الجمع والتكاثر الحديثي

وأما من جهة التحقيق فليس فيها حديث واحد صحيح صريح

وقد أورد أشياء بعيدة جدا لا علاقة لها بالخلافة ولا الولاية

بل أورد ما هو نفسه في تهذيب التهذيب يذكر بعض رواته أنه كذاب كحديث( يا معشر قريش إنكم الولاة بعدي)، وفيه كثير منكر وهو وضاع كما قال ابن حبان«الجرح والتعديل لابن أبي حاتم» (7/ 154): «سألت أحمد يعني ابن حنبل عن ‌كثير ‌بن ‌عبد ‌الله ‌بن ‌عمرو بن عوف فقال منكر الحديث ليس بشئ» «المجروحين لابن حبان ت زايد» (2/ 221): «مُنكر الحَدِيث جدا يروي عَن أَبِيه عَن جده نُسْخَة مَوْضُوعَة لَا يحل ذكرهَا فِي الْكتب وَلَا الرِّوَايَة عَنهُ»
وقال النسائي متروك «المحلى بالآثار» (4/ 241).
«وكثير بن عبد الله ساقط، لا تجوز الرواية عنه»، «المحلى بالآثار» (7/ 323): «هالك متروك باتفاق» «تهذيب التهذيب» (8/ 422): «الشافعي وذكر كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف فقال ذاك أحد الكذابين أو أحد أركان الكذب»

وهكذا كحديث (تعلموا من قريش) وهو واه وغيرها من الأحاديث، ولا يصح حديث صريح في هذا الباب، فاشدد على هذا البحث يديك فهو تحقيق الباب ولو شئت لبسطت القول أكثر من هذا لكن هذا ما يليق بالمقالات وأصل البحث المطول محفوظ لدي

(دعوى الاجماع):-

أما الاجماع من أهل السنة فليس هناك أجماع، بل هناك خلاف حتى بين الشافعية كما قال امام الحرمين والنووي قال العمراني في «البيان في مذهب الإمام الشافعي» (12/ 9) «وقال أبُو المعالي الجويني: من أصحابنا من يجوز أن يكون من غير قريش»، وقال النووي في «المجموع شرح المهذب» (19/ 192): «هكذا أفاده أكثر الأصحاب وقال أبو المعالى الجوينى من أصحابنا من يجوز أن يكون من غير قريش».

قلت:- وخالف من الأمة المعتزلة وهم أئمة في الإجتهاد في العلم والكلام والنظر فلم يشرطوها في القرشي فمن ادعى الإجماع فقد أخطأ..

ثم استقر الأمر بعد تولية العثمانيين ومن بعدهم على جواز ذلك عملا مدة أكثر من ستة قرون، ومن هرف من المتعصبة المعاصرين في آخر الدولة العثمانية ببطلان خلافة العثمانيين استنادا لهذا الواهيات من الاحاديث فإنما أنكر سياسة وتواطأ مع الانجليز والمجتمع الدولي لإسقاط الخلافة العثمانية
وأمرهم إلى الله، أو تعصبا لمذهب أو حمية عربية أو جهلا بالتحقيق، وقد بيّن الحافظ في الفتح أن المسألة ليست إجماعية
فتنبهوا من تلبيس من لم يتتبع النقول، وإنما ارتكز في ذهنه مذهب فظن أنه لا خلاف في ذلك كما شأن المتمذهبة الذين يكثرون من دعاوى الإجماع وكيف يكون الإجماع وعمر ابن الخطاب يخالفه
فما بعده لا قيمة له كيف والمعتزلة يخالفون كيف والزيدية يخالفون القرشية ويقولون بأن الخلافة لا تصح إلا في البطنيين!!

ولذلك نسب الحافظ ابن حجر القول للجمهور وليس للإجماع كما جازف البعض، وللفائدة فإن الحافظ ابن حجر أوثق وأدق من نقل المذاهب فمن نسب له مذهبا فاشدد عليه يديك، ولذلك اعتمد عليه الشوكاني في النيل فكان النيل ملاذا في حديث الأحكام

وسأنقل لك كلام الحافظ للفائدة:- «فتح الباري لابن حجر» (13/ 118): «وإلى هذا ذهب جمهور أهل العلم أن شرط الإمام أن يكون قرشيا وقيد ذلك طوائف ببعض قريش فقالت طائفة لا يجوز إلا من ولد علي وهذا قول الشيعة ثم اختلفوا اختلافا شديدا في تعيين بعض ذرية علي وقالت طائفة يختص بولد العباس وهو قول أبي مسلم الخرساني وأتباعه، ونقل بن حزم أن طائفة قالت لا يجوز إلا في ولد جعفر بن أبي طالب، وقالت أخرى في ولد عبد المطلب وعن بعضهم لا يجوز إلا في بني أمية وعن بعضهم لا يجوز إلا في ولد عمر قال بن حزم ولا حجة لأحد من هؤلاء الفرق، وقالت الخوارج وطائفة من المعتزلة يجوز أن يكون الإمام غير قرشي وإنما يستحق الإمامة من قام بالكتاب والسنة سواء كان عربيا أم عجميا..

وبالغ ضرار بن عمرو فقال تولية غير القرشي أولى؛ لأنه يكون أقل عشيرة فإذا عصى كان أمكن لخلعه، وقال أبو بكر بن الطيب لم يعرج المسلمون على هذا القول بعد ثبوت حديث الأئمة من قريش وعمل المسلمون به قرنا بعد قرن وانعقد الإجماع على اعتبار ذلك قبل أن يقع الاختلاف..

قلت:- قد عمل بقول ضرار من قبل أن يوجد من قام بالخلافة من الخوارج على بني أمية كقطري بفتح القاف والطاء المهملة ودامت فتنتهم حتى أبادهم المهلب بن أبي صفرة أكثر من عشرين سنة، وكذا تسمى بأمير المؤمنين من غير الخوارج ممن قام على الحجاج كابن الأشعث، ثم تسمى بالخلافة من قام في قطر من الأقطار في وقت ما فتسمى بالخلافة وليس من قريش كبني عباد وغيرهم بالأندلس كعبد المؤمن وذريته ببلاد المغرب كلها..

وهؤلاء ضاهوا الخوارج في هذا ولم يقولوا بأقوالهم ولا تمذهبوا بآرائهم بل كانوا من أهل السنة داعين إليها

وقال عياض اشتراط كون الإمام قرشيا مذهب العلماء كافة وقد عدوها في مسائل الإجماع ولم ينقل عن أحد من السلف فيها خلاف..

وكذلك من بعدهم في جميع الأمصار قال ولا اعتداد بقول الخوارج ومن وافقهم من المعتزلة لما فيه من مخالفة المسلمين

قلت:- ويحتاج من نقل الإجماع إلى تأويل ما جاء عن عمر من ذلك فقد أخرج أحمد عن عمر بسند رجاله ثقات أنه قال إن أدركني أجلي وأبو عبيدة حي استخلفته فذكر الحديث وفيه فإن أدركني أجلي وقد مات أبو عبيدة استخلفت معاذ بن جبل الحديث ومعاذ بن جبل أنصاري لا نسب له في قريش فيحتمل أن يقال لعل الإجماع انعقد بعد عمر على اشتراط أن يكون الخليفة قرشيا أو تغير اجتهاد عمر في ذلك والله أعلم» انتهى كلام الحافظ

مشاركة المقال