آخر الأخبار

المجد للتفاهة!

أ.د.فؤاد البنا

ينزل بعضُهم منشورا تافها في صفحته، وقبل أن يرتد إليه طرفُه يكون قد حصل على مئات الإعجابات وانهالت عليه عشرات التعليقات، بينما يقوم واحد من أهل الفكر وصناعة الوعي، بإنزال منشور نافع يعصر فيه مداركه العقلية ويبذل في صياغته أقصى مستطاعاته اللغوية والأسلوبية ، فلا يجد صدى جهده وفكره ومشاعره إلا عند أقل القليل من أصدقائه ومتابعيه فضلا عن الجمهور العام الذين تزدحم بهم وسائل التواصل الاجتماعي!

وها أنا كنموذج تطبيقي لما ذكرته آنفا أقوم كل يوم بتعريف قرائي باثنين من المساجد التي تتوزع في مختلف بلدان العالم مع وضع بعض المعلومات أو الأفكار وسط التعريف المختصر والذي أجتهد أن لا يخلو من تشويق معرفي أو إثارة وجدانية!
وأرفق مع الموضوع بضعة صور جميلة أختارها بعناية من بين مئات الصور، التي أظل ساعات في التنقيب عنها، وقد أنفق وقتا طويلا وجهدا مضنيا في التنقل بين المواقع والصفحات والمراجع من أجل التأكد من معلومة واحدة، ثم تمضي أيام على المنشور وقد لا يحصل حتى على مائتي إعجاب!
وليس هناك أدنى شك بأن المسألة هنا ليست مسألة بحث عن إعجابات، فإن تضييع ساعة واحدة من وقتي الثمين ووجعي المزمن لا تساوي آلاف اللايكات، لكنها الشكوى المرة من تردي الأذواق العامة وبروز الزهد في القضايا الكبيرة، مع الإغراق في السفاسف والتنافس على الإثارة الرخيصة!
لقد صار المجد للتفاهة في عصر يعجّ بالصغائر، ويتزاحم فيه أغلب رواد وسائل التواصل الاجتماعي على موائد التافهين ويتهافتون على صفحات وحسابات تجيد إثارة الغرائز وتسويق السخافات، وللأسف فقد انجر إلى هذا المنحنى الهابط نحو الأسافل كثيرون ممن يحسبون على الصالحين!
إن وسائل التواصل الاجتماعي كاشفة للتفاهة الثاوية في أعماق هؤلاء أكثر من كونها منشئة لها، مع أن ضخامة التيار تجعل أعدادا من الناس المحترمين تفقد توازنها وتنضم إلى قطيع أصحاب الاهتمامات التافهة والحفاوة بالسفاسف والانغماس في السخافات!
فهل يحس من فيهم صلاح بخطورة هذه الآفة التي تجعل الخرق يتسع على الراقع كل يوم؟! وهل من رؤى عملية في المواجهة والمعالجة؟!

مشاركة المقال