كلما هاجر مظلوم وهو يبحث عن أرض تأويه حتى لا يُفتَن في دينه، ولا يُكرَه في رأيه، ولا يُهان في كرامته؛ احتفل الظالمون زاعمين بأنهم قد انتصروا وحققوا أهدافهم، وتفاخروا لأنهم قد تمكنوا من طرد المخالفين لهم، وزعموا أن ذلك دليلا على أن الله والحق معهم.
في ذكريات يوم هجرتنا كأني بصوت ينعق في بطن السبعين قائلاً: أيها الجبناء هربتم إلى فنادق يثرب ولجأتم إلى النصارى في بلاد الحبشة. واتفقتم مع الغرباء لخيانة بلادكم.
وإذا بصوت من أعماق قلوبنا يصدح ممزوجا بالدموع يخاطب اليمن قائلاً: إنك أحب البلاد إلى قلبي ولولا أن أهلك اخرجوني منك ما خرجت.
- اتفق وتآمر يومها رؤوس الطغيان على أن ينتدبوا من كل فريق واحدا منهم يشهر سيفه ليشتركوا في سفك دم الأمل الجديد المبعوث في ساحات الثورة السلمية، والحامل لكتاب الدولة الاتحادية، حتى لا يجد أولياء ذلك الأمل حينها إلا أن يقبلوا الدية المتمثلة بقليل من طعام يسد جوع الأبناء مقابل نسيان ذلك الأمل وقتل كل تفكير في التحرر من العبودية.
وفي مثل هذه الليلة كان طغيان الزعيم الطامع في توريث الملك لولده وذريته من بعده مع طغيان السلالي الذي يرى نفسه وصيا إلهيا على الناس كان هناك ثلة أخرى من المستضعفين لم يكن أمامهم من مخرج سوى الهجرة.
هاجر بعضهم في أصقاع الدنيا بحثا عن الملك الذي لا يُظلم عنده أحد.
وهاجر آخرون – فكانوا هم السابقين – إلى الأنصار فوجدوا في أرض سبأ كما كان آباؤهم في يثرب من يستقبلهم بالحب والمودة والنصرة.
وتقاسم الأنصار في مأرب لقمة عيشهم مع المظلومين المهاجرين إليهم بدون مَنٍّ ولا أذية.
وعجز بعض المستضعفين والأسرى من مغادرة شعاب وقضبان صنعاء،،، ينتظرون نصرا إلهيا يغيث به عباده المظلومين.
وما زالت تلك العصابات الظالمة تقتل المشردين حتى بعد أن هجَّرتهم… وما زالوا يحشدون في أنديتهم صعاليك الناس وفقراء المجتمع ليجعلوا منهم وقودا لحروبهم وطغيانهم… وما زالت الدوائر بين الفريقين كبدر وأحد كر وفر مرة بمرة.
وقد زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر ووصل الحال عند البعض أنهم يظنون بالله الظنونا،، ولا نشك الآن أن ثلة الكرامة تلك ما زالت مستمرة في حفر خنادق الإرادة والعزيمة أمام جحافل الظالمين،،، وسيأتيها الله بنصر لم يخطر لها على بال، وإن لله جنودا لم تروها ستنزل عليهم من السماء أو تخرج من الأرض أو من حركات الرياح.
ولا يفصل بيننا وبين يوم الفتح ويوم المرحمة إلا المزيد من غدر الظالمين ونقضهم للعهود كما هي عادتهم، فللنصر قدمان يجيء بهما إلى من يستحقه أسرع من مجيئهم هم إليه، إحدى القدمين هي استغراق المجرمين في طغيانهم، والأخرى بذل المظلومين لكل أسباب الدنيا المتاحة حتى يبلغ بهم اليأس من أن يجدوا سببا آخر، ولا يبقى لهم تعلق إلا بالله تعالى القائل: ﴿حَتّى إِذَا استَيأَسَ الرُّسُلُ وَظَنّوا أَنَّهُم قَد كُذِبوا جاءَهُم نَصرُنا فَنُجِّيَ مَن نَشاءُ وَلا يُرَدُّ بَأسُنا عَنِ القَومِ المُجرِمينَ﴾.
وحينها فقط يقف من تبقى من المجرمين عاجزا ليقول للفاتحين متسولا الصفح: “أخ كريم وابن أخ كريم” .
جعل الله عامكم الجديد عام خير وفتح وأيامكم مليئة بالسعادة