آخر الأخبار

لماذا اعتذر بابا روما للكنديين ورفض الاعتذار للمسلمين عن الحروب الصليبية؟

يوسف أحمد

الملتقى اليمني

أثارت زيارة البابا فرانسيس، رئيس الكنيسة الكاثوليكية في الفاتيكان، إلى كندا، يوم 24 يوليو 2022، للاعتذار للسكان الأصليين وطلب الصفح منهم عن جرائم ارتكبتها الكنيسة في حق أطفالهم، ووصفت بأنها “إبادة”، أثارت تساؤلات عن اعتذار الكنيسة للجميع دون المسلمين.
وفصلت الكنيسة الأطفال الأصليين في كندا عن أسرهم وسعت لسلخهم من لغتهم وثقافتهم، ضمن نظام دمج ثقافي كنسي متشدد لتطهيرهم من أصولهم العرقية، تضمن حرمانهم من الطعام وتعذيبهم؛ ما تسبب في وفاة 6 آلاف طفل وشخص على الأقل، وتم كشف قبور جماعية لهم.
لكن اعتذار بابا روما لسكان كندا الأصليين فتح الباب مجدداً للسؤال عن أسباب رفض الكنيسة وباباوات روما المتتابعين الاعتذار عن جرائم الحروب الصليبية في حق المسلمين، رغم أنهم اعتذروا لطوب الأرض عن جرائم الكنيسة!
فقبل قيامه برحلته إلى الشرق الأوسط التي قال عنها “رحلة الحج الأخيرة”، اعتذر بابا الفاتيكان الراحل يوحنا بولس الثاني خلال قداس أقامه، في 12 مارس 2000، لليهود عن موقف الكنيسة الكاثوليكية من الاضطهاد النازي لهم.
واعتذر للكنائس الأرثوذكسية الشرقية عن عنف الكنيسة الكاثوليكية واضطهادها الذي ساعد على إسقاط الكنيسة البيزنطية في تركيا، كما اعتذر للروس، واعتذر عن محاكم التفتيش وصكوك الغفران واضطهاد الكنيسة للعلماء والمفكرين في أوروبا.
ورغم موجة الاعتذارات التي قدمها يوحنا، فإنه ومن تبعه من باباوات روما رفضوا الاعتذار للمسلمين عن “الحروب الصليبية”، معتبرين أنها جزء من أخطاء متبادلة بين المسيحيين والمسلمين، والاعتذار يجب أن يكون من الطرفين!

لماذا الاعتذار الآن؟
جاء الاعتذار عن تعذيب وقتل أطفال السكان الأصليين خلال عملية تنصيرهم بالقوة، ضمن استكمال الفاتيكان سلسلة الاعتذارات عن جرائم الكنيسة، وللتخفيف من اتهامات لقساوسة في دول مختلفة بانتهاكات جنسية للأطفال خصوصاً.
ويدور الحديث عن “شبكة المدارس السكنية الكندية الهندية”، التي مولتها الحكومة الكندية وأشرفت عليها الكنائس الكاثوليكية، وفي عام 2015، سلّط تقرير تاريخي الضوء على الانتهاكات التي تعرض لها الناجون فيها.
ونقل “تقرير لجنة الحقيقة والمصالحة الكندية” عن الناجين من المدارس قصصاً تؤكد قيام نظام المدارس الداخلية الكاثوليكية على سياسة “الإبادة الجماعية الثقافية”.
وكانت تلك الشبكة جزءاً من سياسة تهدف إلى دمج أطفال السكان الأصليين وتدمير ثقافاتهم ولغاتهم، وبموجبها تم انتزاع نحو 150 ألف طفل من أبناء شعوب الميتي والإسكيمو (السكان الأصليين) من عائلاتهم ووضعوا في تلك المدارس.
وفي مايو 2021، عثر على أدلة، باستخدام تقنية الرادار المخترقة للأرض، على قبور لأطفال في موقع مدرسة سابق في منطقة للسكان الأصليين في بريتيش كولومبيا.

الحوار مع الأزهر
لم يتطرق أي من باباوات الفاتيكان للحروب الصليبية والجرائم التي جرى ارتكابها فيها، ولم يعتذروا للمسلمين عن قتل ونهب واحتلال بلادهم باسم “إرادة الرب”.
وحين قدم يوحنا بولس الثاني اعتذاراً علنياً غير مسبوق عن أخطاء الكنيسة الكاثوليكية في الماضي، وطلب الصفح من الله عن خطايا، لم يذكر المسلمين.
وحاولت لجنة الحوار بين الأديان بالأزهر الشريف مطالبة الفاتيكان بالاعتذار بعد بدء الحوار، في أبريل 1994، في عهد الإمام الراحل الشيخ جاد الحق، ثم د. أحمد الطيب الحالي بلا جدوى.
وقد طالب عدد كبير من علماء الأزهر، في يناير 2001، الفاتيكان بالرد على الطلب الذي تقدم به الأزهر، عام 2000، للاعتذار عن الحرب الصليبية التي شنها الغرب على الدول الإسلامية في العصور الوسطى، لكن بلا أي نتيجة وصمت من جانب الفاتيكان.
ويقول علماء أزهريون شاركوا في جلسات الحوار بالأزهر حينئذ: إنه رغم إصدار الفاتيكان وثيقة يبرئ فيها اليهود، فقد رفض بإصرار غريب طلب الأزهر الاعتذار عن فظاعات الحروب الصليبية، وفق صحيفة “الاستقلال”.
وعلى العكس، وقع البابا يوحنا ما سُمي وثيقة “الإرشاد الرسولي”، التي تحمل أفكاراً خطيرة، خلال زيارة إلى لبنان، في سبتمبر 2021، من بينها الدعوة إلى تنصير العالم، والتحذير من أسلمة المجتمع الإسلامي.
وهو ما دعا الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين لإصدار بيان، في 13 سبتمبر 2012، ينتقد توقيع بابا الفاتيكان على الوثيقة ويحذره من إشعال الفتنة وتخويف المسيحيين من الإسلام في المنطقة.
وقال الاتحاد: إنه حاول في الماضي الحوار مع الفاتيكان، إلا أن الحوار كان من طرف واحد، وطالب البابا بالاعتذار للمسلمين عمّا وقع من مجازر وقتل وحرق وتهجير على أيدي الصليبيين في الأندلس والشام، أسوة باعتذاره لليهود.
ومر 927 عاماً على الحروب الصليبية حتى الآن، حيث انطلقت في 27 نوفمبر 1095 الشرارة الأولى لها عندما ألقى أوربانوس الثاني، بابا الفاتيكان، خطاباً شهيراً دعا لموجات متتالية من الحروب الصليبية لاستعادة الأرض المقدسة.
وخلالها دمر الصليبيون البلدان التي مروا بها وذبحوا السكان المسلمين واستولوا على القدس ومدن عربية أخرى عام 1099، وبعد 200 عام من الصراع، طردتهم الجيوش الإسلامية إلى الأبد.

الفتوحات غزو!
وكان الشيخ نشأت زارع، أحد أئمة وزارة الأوقاف المصرية، أثار جدلاً في تبريره رفض اعتذار الفاتيكان عن الحروب الصليبية بزعم أن الفتوحات الإسلامية أيضاً غزو يجب الاعتذار عنه.
وقال، في مقال نشره بموقع “الحوار المتمدن” الذي يستضيف كتابات العلمانيين، يوم 15 سبتمبر 2016، تحت عنوان “الفتوحات السياسية”: إن “الفتوحات سياسية وليست إسلامية”.
وزعم أن إلصاقها بالإسلام يضره، وقارن بينها وبين “عصابة دخلت على جماعة في بيتهم وقتلوا الرجل رب الأسرة وزوج بنته وأخذوا امرأته وابنته وفروا”، ما أثار استغراب واستياء علماء المسلمين.
وفي حوار مع جريدة “الدستور” المصرية زعم زارع أنه طالب د. أحمد الطيب، شيخ الأزهر، بالاعتذار عن الفتوحات الإسلامية، وقررت “الأوقاف” المصرية، في 4 فبراير 2020، خفض الدرجة الوظيفية له، وإحالته إلى باحث دعوة، وأوقفته عن العمل ومنعه من صعود المنبر والدروس الدينية في المساجد.

تاريخ اعتذارات الكنيسة

لم يكن اعتذر البابا للسكان الأصليين في كندا عن جرائم الكنيسة الكاثوليكية هو الأول من نوعه، فقد سبق لأسلافه أن قدموا اعتذارات مماثلة.
فمنذ أن أصبح رئيسًا للكنيسة الكاثوليكية، في عام 2013، قدم البابا الحالي فرانسيس عدة اعتذارات أبرزها عن الاعتداء الجنسي من جانب القساوسة على أطفال، وفي رسالة إلى أساقفة تشيلي، عام 2018، اعترف بارتكاب “أخطاء جسيمة”.
وفي العام نفسه، كتب رسالة مطولة للكاثوليك في جميع أنحاء العالم أعرب فيها عن أسفه العميق لدور الكنيسة في الإساءة للأطفال القُصّر والتستر عليها، معترفاً: “لقد تخلينا عنهم”.
وخلال رحلته إلى بوليفيا، عام 2015، اعتذر فرانسيس عن العديد من الخطايا الجسيمة التي ارتكبت باسم الرب بحق السكان الأصليين في القارة الأمريكية.
وجاءت اعتذارات فرانسيس، بعدما تغاضي سلفه بنديكتوس السادس عشر (2005 – 2013) عن أزمة الاعتداء الجنسي في بعض الكنائس وتردد تورطه في المساعدة فيها كما نقلت “واشنطن بوست”، عن مركز “بيو” الأمريكي للأبحاث.
وسبق أن اتهم تحقيق ألماني بنديكتوس بارتكاب مخالفات في تعامله مع قضايا الاعتداء الجنسي خلال فترة إدارته لأبرشية ميونيخ بين عامي 1977 و1982، ما دفعه للإعراب لجميع ضحايا الاعتداء الجنسي عن “الخزي العميق”.
وقد استقال البابا بنديكتوس متذرعًا بأسباب صحية، لكن العار كان يلاحقه بسبب الاتهامات التي وجهت له، والمفارقة أنه كان من أبرز المعادين للإسلام، وله تصريح شهير أثار ضجة قال فيه: “إن الإسلام أتى بكل ما هو سيئ”.
وكان بنديكتوس القى خطاباً، في 11 سبتمبر 2006، في جامعة بألمانيا، استشهد خلاله بإمبراطور مسيحي وصف بعض تعاليم الرسول محمد صلى الله عليه وسلم على أنها “شريرة وغير إنسانية”، وتناقض بين الإسلام والعقل؛ ما أثار احتجاجات وغضباً في العالم الإسلامي.
وبسبب هذه التصريحات المسيئة للنبي صلى الله عليه وسلم، جمد شيخ الأزهر الحالي د. أحمد الطيب حوار الأديان مع الفاتيكان حينئذ.
وتعتبر فترة تولي البابا يوحنا بولس الثاني الفاتيكان، التي تصل إلى 27 عامًا (1978 – 2005) هي أكثر فترات اعتذارات الكنيسة الكاثوليكية عن جرائمها.
حيث اعتذار، في عامي 2000 و2001، عن سلسلة من الظلم، بما في ذلك الاعتداء الجنسي، التي ارتكبها رجال الدين الكاثوليك الرومان.
وقال، خلال قداس أقامه في الفاتيكان: إنه يعتذر ويطلب الصفح عن طريقة تعامل الكنيسة الكاثوليكية مع اليهود والمارقين عن المذهب الكاثوليكي والنساء والسكان الأصليين في بعض البلدان الكاثوليكية، وفق تقرير لـ”بي بي سي”، في 12 مارس 2000.
لكن البابا لم يتحدث بالتحديد عن الحروب الصليبية، ولم يذكر شيئاً عن امتناع البابا بيوس الثاني عشر عن التنديد بالمحارق النازية لليهود، وفق مراسل “بي بي سي”.
وخلال الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي، وأثناء زياراته لدول أفريقية، اعتذر البابا عدة مرات عن دور الكنيسة في تجارة الرقيق واستعباد النساء جنسياً، بحسب تقرير لوكالة “أسوشيتد برس”، في 25 يوليو 2022.
كما اعتذرت الكنيسة رسميًا في أوقات سابقة لفشلها في اتخاذ إجراءات أكثر حسماً خلال الحرب العالمية الثانية لوقف الحرب الطاحنة التي أودت بحياة أكثر من 60 مليون شخص.
واعتذر يوحنا، في وثيقة عام 1998، عن عدم مساعدة الفاتيكان والكاثوليك اليهود خلال الهولوكوست، وخصص عظته، عام 2000، للاعتراف بالخطايا ضد شعب “إسرائيل”.
ولم تسفر حوارات الأديان بين الأزهر والفاتيكان للمطالبة باعتذار الكنيسة الكاثوليكية عن الحروب الصليبية عن اتفاق.

مشاركة المقال