أردت البحث عن مكانة الصحابة، رضوان الله عليهم، وتقصي فضائلهم في القرآن الكريم، وقد كان في ذهني بعض الآيات، كما هو الشائع، لكني فوجئت أن موضوع الصحابة أهم وأعمق وأشمل مما يظنه القارئ العابر، إذ يلاقيك الحديث عنهم في أول صفحة في الكتاب الإلهي الأعظم، كمحور أساسي من محاور المقدمة المكثفة لدستور القرآن الكريم (سورة الفاتحة) التي ستفرد لهم الآية الخاتمة من آياتها السبع، وستجعلهم بمثابة التفسير العملي لمبدأ الاستقامة الذي ورد في الآية التي قبلها {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (7)}!
ثم ستسلمك الدهشة الأولى إلى الدهشة التالية؛ حيث ستتفتح أكبر سورة في القرآن الكريم بالتنويه بالكتاب الثقة الذي لا يخالطه الريب، ليكون هدى منيرا تستضيء به قلوب الصحب الكرام رضوان الله عليهم فتضيء بعد ذلك جنبات الوجود بنوره إلى يوم الدين!
{الم ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ أُوْلَئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (البقرة:1-5).
عندها قررت ألا أمضي في تتبع هذا الموضوع، فالقرآن الكريم كله تزكية لذلك الرهط الكريم المبارك، الذي ستصبح بشريته بالنسبة لمتأمل سيرته ومسيرته قضية محل شك!!
إذ لا توجد فضيلة في القرآن الكريم ومدح وثناء إلا وكان جيل الصحابة هم المقصودون به ابتداء، رضي الله عنهم ورضوا عنه.
وقد وقفت عند آية لو أمعن المرء التأمل فيها لعلم أن ذلكم الجيل الكريم لم يكن مجرد توليفة بشرية دفعتها المصادفة المحضة للمشهد الذي سيشهد ميلاد أعظم دعوة توحيد وأبقى منهج هداية وأسمى فلسفة حضارة، وإنما هم قدر من أقدار الله التي هيأها في الأزل بالقدر ذاته الذي هيأ به الرسول الخاتم، صلى الله عليه وسلم، ليكون ويكونوا النموذج الأمثل لتمثُّل منهج السماء في الأرض، على طول تاريخ الرسل والرسالات، من لدن آدم عليه السلام، حتى تطوى السماء كطي السجل للكتاب..
{مُحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ ۚ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ۖ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا ۖ سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ۚ ذَٰلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ ۚ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَىٰ عَلَىٰ سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ ۗ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} (الفتح:29)