أفصحت أحداث شبوة الأخيرة، عن مسار سياسي تريد السعودية فرضه في اليمن، عبر كيانها المسمى (مجلس القيادة)، وهذا المسار يفضي إلى إزاحة كل ما له علاقة حقيقية بالدولة والجمهورية في مؤسستي الجيش والأمن، وزرع تكوينات هلامية الولاء داخل إطار وزارتي الدفاع والداخلية.
كانت شبوة تمتلك وحدات أمن نظامية تتبع وزارة الداخلية، وألوية عسكرية تتبع وزارة الدفاع، وكلها تدين بالولاء المباشر لليمن؛ الدولة والجمهورية، وشهدت شبوة في ظل تلك الوحدات والألوية، وفي عهد المحافظ السابق بن عديو، زمنا من الاستقرار الأمني والتطور الاقتصادي.
هذا الوضع في شبوة، لم يعجب التحالف السعودي الإماراتي، لأن شبوة تشكل حالة استثنائية تشجع المناطق الجنوبية على الإقتداء بها، خصوصا وأن المؤسسات في المحافظة تؤمن عمليا بالدولة والوحدة. ولذا قررت الرياض والإمارات محاربة “شبوة اليمنية” واستبدالها “بشبوة السعودية”.
بدأ المخطط بإزاحة المحافظ الجمهوري بن عديو وتعيين آخر موال للتحالف، عوض الوزير، الذي بدأ منذ وصوله عتق باستقدام دفاع شبوة “النخبة الشبوانية” سابقا، إلى المحافظة، وعمل على تفخيخ شبوة بالمناطقية والثارات القبلية، لتهيئة المجال لتفكيك الحالة الوطنية داخل السلطة المحلية ومؤسساتها.
ومع مجيء مجلس القيادة “السعودي”، المعين في أبريل (2022)، حتى بدأ المجلس الانتقالي بالتحضير لمخطط تفجير الفوضى بشبوة، فالإنتقالي لم ينس هزيمته في أغسطس (2019) فبعد سيطرته على عدن، أفشلت قوات الجيش والأمن محاولته أخذ شبوة، كما أن أبوظبي لم تنس حقدها تجاه مطالب أبناء المحافظة في خروج قواتها من منشأة بلحاف النفطية.
في أغسطس (2022)، ومن موقعه كصاحب القرار في المجلس الرئاسي، وبدعم من التحالف، قرر الانتقالي أخذ شبوة، وهذه المرة تحت غطاء محافظ المحافظة الذي قاد عملية عسكرية ضد القوات الحكومية، وكانت مجريات المعركة محسومة لصالح الأمن، لولا تدخل طيران التحالف، الذي شن غارات على مواقع الوحدات الأمنية والقوات العسكرية.
مع ذلك، فإن الأحداث كانت طبيعية، فليست هذه أول مرة تخوض فيها القوات الحكومية معارك ضد مليشيا الإنتقالي، لكنها هذه المرة أتت بغطاء رسمي مباشر من رئيس مجلس القيادة، المفوض بتأدية وظيفة رئاسة الجمهورية.
لقد أصدر العليمي في البداية توجيهات رئاسية، لمحافظ شبوة، بإخراج قوات الانتقالي من عتق، وتكليف القوات الحكومية بتأمين المدينة، ومع أن المحافظ خالف عمليا التوجيهات الرئاسية، حيث شن عملية عسكرية ضد القوات الحكومية وأخرجها بالقوة من عتق، إلا أن العليمي أصدر بيانا اعتبر فيه تصرفات المحافظ إنفاذا لإرادة الدولة.
نحن أمام مشهد عبثي لا يمكن تصوره، يؤيد فيه؛ رسميا، رئيس يمثل اليمن، الاعتداء على قوات حكومية، ويبارك استيلاء قوات لا تدين بالولاء الجمهورية اليمنية على شبوة، ويعتبر تلك القوات التي قامت علنا بدوس علم الجمهورية، ممثلة للجمهورية اليمنية.
النتيجة النهائية، أن لدينا الأن، رئيس جديد، يضع مفهوما عجيبا لعملية دمج القوات التي تعمل خارج الدولة في إطار الدفاع والداخلية. عبر طرد القوات التي تتبع رسميا الحكومة، وإحلال المليشيات المتمردة على الجمهورية بديلا لها. هذا هو المشهد الهزلي الذي تريد الرياض فرضه، قوات ترفع علم الانفصال وليس لديها ولاء لليمن الجمهوري، تصبح هي القوات التي تمثل الجمهورية اليمنية.
هذا المسار السعودي، الذي بدأ تطبيقه في شبوة، سوف يتمدد إلى حضرموت وبقية المناطق الجنوبية، عبر أداة الرياض “مجلس القيادة”، وبواسطة رجلها المؤتمن، رشاد العليمي، الذي بدأ عهده بتوفير الغطاء السياسي لقتل جنود دافعوا عن سيادة اليمن ووحدة أراضيها.