آخر الأخبار

من روائع قصص التابعين

كتب | محمد مصطفى العمراني

الملتقى اليمني

من روائع قصص التابعين ما رواه المحدث الكبير محمد بن شهاب الزهري رضي الله عنه وتغشاه برحمته يقول عن نفسه في قصة رائعة :
نشأت وأنا غلام ، لا مال لي ، ولا أنا في ديوان ، وكنت أتعلم نسب قومي من عبد الله بن ثعلبة بن صعير ، وكان عالما بذلك وهو ابن أخت قومي وحليفهم . فأتاه رجل ، فسأله عن مسألة من الطلاق فلم يكن له علم بها وأشار له بأن يذهب إلى سعيد بن المسيب رضي الله عنه .
فقلت في نفسي : ألا أراني مع هذا الرجل المسن يذكر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مسح رأسه ، ولا يدري ما حكم هذه المسألة ؟!
فتركته وانطلقت مع السائل إلى سعيد بن المسيب ، وتركت ابن ثعلبة ، وجالست عروة ، وعبيد الله ، وأبا بكر بن عبد الرحمن حتى فقهت ، ثم رحلت إلى الشام ، فدخلت مسجد دمشق في وقت السحر ، وتوجهت إلى حلقة قبالة المقصورة عظيمة ، فجلست فيها .
فسألني القوم عن نسبي ، فقلت :
ـ رجل من قريش ، قالوا :
ـ هل لك علم بالحكم في أمهات الأولاد ؟!
فأخبرتهم بحديث أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، فقالوا : هذا مجلس قبيصة بن ذؤيب وهو حاميك ، وقد سأله أمير المؤمنين عبد الملك ابن مروان ، وقد سألنا فلم يجد عندنا في ذلك علما ، فجاء قبيصة فأخبروه الخبر ، فنسبني فانتسبت ، وسألني عن سعيد بن المسيب ونظرائه ، فأخبرته . قال : فقال :
ـ أنا أدخلك على أمير المؤمنين ، فصلى الصبح ، ثم انصرف فتبعته ، فدخل على عبد الملك ، وجلست على الباب ساعة ، حتى ارتفعت الشمس ، ثم خرج الآذن ، فقال :
ـ أين هذا المديني القرشي ؟
قلت : ها أنا ، فدخلت معه على أمير المؤمنين فأجد بين يديه المصحف قد أطبقه ، وأمر به فرفع ، وليس عنده غير قبيصة جالسا ، فسلمت عليه بالخلافة ، فقال :
ـ من أنت ؟
قلت :
ـ محمد بن مسلم ، وساق آباءه إلى زهرة ، فقال :
ـ أوه قوم نعارون في الفتن ، قال : وكان مسلم بن عبيد الله مع ابن الزبير ، فقلت :
ـ يا أمير المؤمنين عفا الله عما سلف .
ثم قال :
ـ ما عندك في أمهات الأولاد ؟
فأخبرته عن سعيد ابن المسيب ، فقال :
كيف سعيد ، وكيف حاله ؟ فأخبرته ، ثم قلت :
ـ وأخبرني أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام ، فسأل عنه ، ثم حدثته الحديث في أمهات الأولاد عن عمر رضي الله عنه .
فالتفت إلى قبيصة فقال : هذا يكتب به إلى الآفاق ، فقلت في نفسي :
ـ لعلي لا أجده أخلى منه الساعة ، ولعلي لا أدخل بعدها . فقلت :
ـ إن رأى أمير المؤمنين أن يصل رحمي ، وأن يفرض لي فعل ، قال :
ـ إيها الآن انهض لشأنك ، فخرجت والله مؤيسا من كل شيء خرجت له ، وأنا يومئذ مقل مرمل ، ثم خرج قبيصة فأقبل علي لائما لي ، وقال :
ما حملك على ما صنعت من غير أمري ؟!
قلت :
ـ ظننت والله أني لا أعود إليه ، قال : ائتني في المنزل ، فمشيت خلف دابته ، والناس يكلمونه ، حتى دخل منزله فقلما لبث حتى خرج إلي خادم بمائة دينار ، وأمر لي ببغلة وغلام وعشرة أثواب ، ثم غدوت إليه من الغد على البغلة ، ثم أدخلني على أمير المؤمنين ، وقال :
ـ إياك أن تكلمه بشيء وأنا أكفيك أمره .
قال الزهري : فسلمت ، فأومأ إلي أن اجلس ، ثم جعل يسألني عن أنساب قريش ، فلهو كان أعلم بها مني ، وجعلت أتمنى أن يقطع ذلك لتقدمه علي في النسب ، ثم قال لي :
ـ قد فرضت لك فرائض أهل بيتك ، ثم أمر قبيصة أن يكتب ذلك في الديوان ، ثم قال : أين تحب أن يكون ديوانك مع أمير المؤمنين هاهنا أم في بلدك ؟!

قلت : يا أمير المؤمنين أنا معك هنا .
ثم خرج قبيصة ، فقال : إن أمير المؤمنين أمر أن تثبت في صحابته ، وأن يجري عليك رزق الصحابة ، وأن يرفع فريضتك إلى أرفع منها ، فالزم باب أمير المؤمنين ، وكان على عرض الصحابة رجل ، فتخلفت يوما أو يومين ، فجبهني جبها شديدا ، فلم أتخلف بعدها ، قال : وجعل يسألني عبد الملك : من لقيت من الصحابة ؟
فأذكر من لقيت من قريش ، قال : أين أنت عن الأنصار ، فإنك واجد عندهم علما ، أين أنت عن ابن سيدهم خارجة بن زيد ، وسمى رجالا منهم .

قال : فقدمت المدينة فسألتهم ، وسمعت منهم . قال : وتوفي عبد الملك ابن مروان ، فلزمت ابنه الوليد ، ثم سليمان ، ثم عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه ، ثم يزيد ، فاستقضى يزيد بن عبد الملك على قضائه الزهري ، وسليمان بن حبيب المحاربي جميعا . قال : ثم لزمت هشام بن عبد الملك ، وصير هشام الزهري مع أولاده ، يعلمهم ويحج معهم.

مشاركة المقال