آخر الأخبار

لماذا يركز أعداء السنة على استهداف الإمام البخاري وكتابه الصحيح ؟!

بقلم | محمد مصطفى العمراني

الملتقى اليمني

تتعرض السنة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام لحملات من الاستهداف الإعلامي الممنهج الهدف منها تشكيك الناس بالسنة النبوية بصفتها المصدر الثاني للتشريع الإسلامي ، واسقاط حجيتها والتعامل معها باعتبارها جزءا من السيرة النبوية والتاريخ الإسلامي وليس باعتبارها المصدر الثاني للتشريع ، ومن يتابع هذه الحملات الإعلامية الممنهجة يجد أن الفريق المكلف باستهداف السنة النبوية والتشكيك فيها والذي يرتبط غالبا بدوائر غربية ومنظمات معادية للإسلام يركز على استهداف الإمام محمد بن اسماعيل البخاري دون غيره من أئمة الحديث أمثال : النسائي أو ابن ماجة أو الحاكم والدارقطني ، أو حتى الإمام مسلم ، أو الإمام مالك في كتابه ” الموطأ ” والذي سبق الإمام البخاري في جمع الأحاديث ، كما لا يركزون في هجمتهم إلا على كتاب ” صحيح البخاري ” دون غيره من كتب الحديث ، وهذا الاستهداف ليس عفويا ، بل هو مخطط له بدقة وبخبث شديد ، لماذا ؟!
والجواب : أن الإمام البخاري ـ رضي الله عنه ـ ليس أول من سعى لجمع السنة النبوية ، فقد سبقه الكثير من العلماء منهم الإمام مالك في الموطأ وغيرها ، ولكنه لم يكتف بأن جاب الآفاق ، وطاف الكثير من البلدان ، وجمع مئات الآلاف من الرّوايات ، بل لم يكتف بالجمع والفرز بل لقد أسس لمنهج هام جدا في تصحيح الحديث ، حيث أشترط شروطا صعبة لتصحيح الحديث أولها :
أن الحديث الصحيح المقبول هو الحديث الذي رواه العدل الضابط من أول السند إلى منتهاه، من غير شذوذ أو علّة، والعدل هو الذي يتصف بصفات التقوى والعدالة والسلامة من خوارم المروءة، والضابط هو الحافظ الذي يتقن حفظه، ومن غير شذوذ أي عدم مخالفة راوي الحديث لرواية من هو أوثق منه، والعله هي أمر خفي في سند الحديث أو متنه يمنع عنه الصحة.
فالحديث الصحيح في منهج الإمام البخاري هو الذي يرويه الثقات العدول الملتزمين عن أعيانهم بشرط طول الملازمة سفراً أو حضراً ، يشترط الإمام البخاري الثقة والاشتهار في راوي الحديث وأن يكون قد عاصر من يروي عنه وسمع منه .
لقد وضع الإمام البخاري شروط صعبة وتشدد في قبول الحديث أكثر من غيره من علماء الحديث، فاشترط أن يكون راوي الحديث معاصراً لمن يحدث عنه ، بالإضافة إلى شرط السماع منه بقوله عند رواية الحديث : حدثني أو سمعت منه أو أخبرني أو غير ذلك من الألفاظ الصريحة التي تفيد السماع المباشر .
ونتيجة لهذا التشدد من الإمام البخاري رضي الله عنه في تصحيح الحديث فقد تلقت الأمة الإسلامية كتابه ” الصحيح ” بالقبول ، وكذلك سائر كتبه وأثنى العلماء على منهجه في تصحيح الحديث ، وأجمع أهل السنّة على اعتبار كتاب ” صحيح البخاري ” أهمّ وأصحّ مصدر من مصادر السنّة النبويّة ؛ ولذا فإن الحملات التي أستهدف الإمام البخاري وكتابه الصحيح سعت إلى استهداف هذه المنهجية الصارمة في تصحيح الحديث فإذا سقطت فإن ما بعدها أسهل منها ، بمعنى أوضح : لقد اختصر المشككون في السنة النبوية الطريق وسعوا إلى استهداف أصح كتب السنة النبوية لأن ما بعدها من كتب الحديث النبوي أسهل منها ، فمثلا شروط الإمام مسلم رضي الله عنه في تصحيح الحديث هي أقل من شروط الإمام البخاري حيث اشترط المعاصرة للرواة مع إمكانية اللُّقيا لقبول الحديث، بينما كان الإمام البخاري أكثر تشدداً من الإمام مسلم في شرط العدالة والضبط الواجب توفرها في الرواة ، كما عرف عن الإمام مسلم تخريجه لبعض الأحاديث النبوية رغم أن من بين رواتها من لم يسلموا من الجرح ، إذا كان الراوي كثير الملازمة لمن روى عنه .
ومنهجية الإمام البخاري رضي الله عنه وشروطه في تصحيح الحديث قد أثنى عليها علماء الأئمة بل لقد أبهرت العديد من المستشرقين ومنهم مارجيلوث في كتابه ” محاضرات عن المؤرخين العرب ” حيث يقول : ( ورغم ان نظرية إسناد الحديث قد أوجبت الكثير من المتاعب ، نظرا لما يتطلبه البحث في ثقة كل راو ، ولأن وضع الأحاديث كان أمرا معهودا ، وجرى التسامح معها بسهولة أحيانا ، إلا أن قيمة نظرية الإسناد في تحقيق الدقة لا يمكن الشك فيها ، والمسلمون محقون في الفخر بعلم حديثهم ) .
وكتاب صحيح البخاري لو تأملنا سنجد أنه كتابا يتجاوز كونه جهد عظيم لعالم أفنى عمره في خدمة السنة النبوية ولكنه جهد عظيم أشترك فيه المئات من أبرز العلماء في عصره وذلك أن الإمام البخاري لما فرغ من كتابه الصحيح قام بعرضه على كبار مشايخه ، ثم لم يكتف بعرضه على مشايخه بل أمضى ما يقارب ربع قرن وهو ينتقل من مدينة إلى أخرى ، ويطوف البلدان ، وحيثما نزل ألتقى بالعلماء وطلبة العلم وألتف حوله آلاف من الناس يستمعون لصحيحه ويقرأه عليهم ويناقشونه ويسألونه ويجيب عليهم ، حتى أقره العلماء الكبار عليه .
بل لقد ذكر ابن حجر العسقلاني في كتابه: “النكت على ابن الصلاح ” أن عدد الأحاديث في كل الروايات هو نفسه لم يختلف ، وأنه قد الإمام البخاري قد قرأ كتابه الصحيح على قرابة تسعين ألفًا ، ورواه عنه عدد مِن الرواة الثقات، أشهرهم: المُحَدِّثُ الثِّقَةُ، أبو عبد الله محمد بن يوسف بن مطر بن صالح بن بشر، الفَرَبْرِيُّ (ت:320هـ)، وقد سمع الصحيح مرتين: سنة 248 هـ وسنة 252 هـ.
والخلاصة أن استهداف الإمام البخاري وكتابه الصحيح هو استهداف لمنهجية الإمام البخاري في تصحيح الحديث فإذا تمكنوا من إسقاطها في أذهان الناس وقلوبهم وأسقطوا هيبة الإمام البخاري وكتابه الصحيح ، فما غير ذلك من كتب السنة النبوية سيكون استهدافها أسهل لأن منهجية الإمام البخاري في قبول الحديث ووضعه في الصحيح هي ـ كما أسلفنا ـ أصعب وأشد منهجية ولذا حرصوا على استهدافه وركزوا عليه ..
وأعيد هنا ما قاله المفكر الإسلامي الراحل محمد أسد ـ رحمه الله ـ في كتابه ” الإسلام في مفترق طرق “ـ حيث تطرق إلى هذا الأمر فقال : ” أعداء الإسلام يسعون إلى إفقادنا الثقة في السنة النبوية كونها التطبيق الفعلي لتعاليم الإسلام ولذا فإن علينا أن نعمل على الرد الواعي على هذه الحملات المنظمة وأن نتبع السنة النبوية فعند تطبيقنا لها في حياتنا اليومية تصبح هي المعيار الذي يمكن من خلاله اختبار مؤثرات الحضارة الغربية ومدى صلاحيتها للتطبيق في حياتنا ، ومن ثم نعرف ما يمكن أخذه من هذه الحضارة وما علينا تركه منها ، وبدلا من إخضاع الإسلام لمعايير فكرية غريبة ، علينا أن نتعلم ـ مرة أخرى ـ كيف يكون الإسلام هو المعيار الذي من خلاله نحكم على العالم “.

مشاركة المقال