آخر الأخبار

الطعن في السنة .. من دواوين الكتاب والمعتزلة إلى الدوائر الغربية وأدواتها

بقلم | محمد مصطفى العمراني

الملتقى اليمني

كنت إلى فترة قريبة أعتقد أن التشكيك في القرآن والطعن في السنة النبوية هي صناعة حديثة ، نشأت مع الحروب الصليبية حيث قام بها البعض من المتعصبين من القسس والرهبان ، ومن بعدهم المستشرقين وتلاميذهم .
ثم سار على هذا التوجه البعض من موظفي الدوائر الغربية المعادية للإسلام ، ولكنني وجدت مؤخراً أنها صناعة قديمة للأسف ، وقد كان ينتهجها البعض من الكتاب في القرن الثالث الهجري ، حيث يقول الجاحظ في رسالته ” ذم أخلاق الكتاب ” وهو يصف أخلاق هؤلاء الكتاب الذين كانوا يعملون في دواوين الخلافة : ” ثم الناشئ فيهم إذا وطئ مقعد الرياسة، وتورَّك مشورة الخلافة، وحُجزت السَّلَّةُ دونه، وصارت الدواة أمامه، وحفظ من الكلام فتيقه ، ومن العلم مُلحه ، وروى لبُزرْجمهْر أمثاله ، ولأردشير عَهْده ، ولعبد الحميد الكاتب رسائله، ولابن المقفَّع أدبه، وصيَّر كتاب مَزْدَك معدن علمه ، ودفتر كليلة ودمنة كنْز حكمته ظنَّ أنَّه الفاروق الأكبر في التدبير ، وابن عبّاسٍ في العلم بالتأويل ، ومُعاذ بن جبلٍ في العلم بالحلال والحرام، وعليُّ بن أبي طالب في الجرأة على القضاء والأحكام ، وأبو الهذيل العلاَّف في الجُزْء والطَّفرة ، وإبراهيم بن سيار النظَّام في المكامنات والمجانسات، وحسينٌ النَّجَّار في العبارات والقول بالإثبات ، والأصمعيُّ وأبو عبيدة في معرفة اللغات والعلم بالأنساب.
يواصل الجاحظ ” فيكون أوّل بدْوه الطعن على القرآن والقول بتأليفه ، والحكم عليه بالزعم بتناقضه . ثم يُظهر ظرفه بتكذيب الأخبار ، وتهجين من نقل الآثار وتكذيب أحاديث خير الأخيار المصطفى صلى الله عليه وسلم .
فإن استرجح أحدٌ عنده أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم فتل عند ذكرهم شدقه ، ولوى عند محاسنه كشحه. وإن ذُكر عنده شُريّح جرَّحه، وإن نُعت له الحسن استثقله، وإن وُصف له الشعبيُّ استحمقه، وإن قيل له ابن جُبير استجهله ، وإن قدَّم عنده النَّخعيُّ استصغره”.
ومن المعروف بأن الجاحظ معتزلي ولكنه هنا يقرر الواقع الذي شاهده في هؤلاء الكتاب ، وإن كنا ضد التعميم فقد يكون هذا الحال هو الغالب عليهم .
والمعتزلة ردوا كثيراً من الأحاديث لأنها بزعمهم تخالف العقل ، كما ردوا أحاديث الشفاعة لمعارضتها لمعتقدهم بأن مرتكب الكبيرة مخلد في النار ، كما ردوا أحاديث الصفات، لأنها بزعمهم تعارض معتقدهم في نفي الصفات عن الله عز وجل ، كما ردُّوا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي رواه عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: (حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق: إن خلق أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين يوماً، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يبعث الله عز وجل إليه الملك بأربع كلمات: رزقه، وعمله، وأجله، وشقي أو سعيد، قال النبي عليه الصلاة والسلام: فو الذي نفس محمد بيده إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع ، ثم يدركه ما سبق له في الكتاب – أي: في اللوح المحفوظ – فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها ، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، ثم يدركه ما سبق له في الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها) . والحديث في الصحيحين .
لمخالفتها لمعتقدهم في القدر ، كما أنكروا أحاديث رؤية الله عز وجل في الجنة ، وأحاديث عذاب القبر ..
وربما كانت هذه أخلاق أغلب الكتاب حينها كما قال الجاحظ إلا ما يحدث اليوم هو عملية ممنهجة وبحملات إعلامية ذات طابع مؤسسي منظم وليست ذات تصرف عفوي ، إذ الملاحظ أن أغلب من يقومون بهذه الحملات من العلمانيين والليبراليين هم من المرتبطين بشكل أو بآخر بالمنظمات الغربية المعادية للإسلام والذين لا هم لهم سوى الطعن في الإسلام والتشكيك في الثوابت الدينية .!
والغريب والعجيب أن هؤلاء يتغاضون ويتعامون عن الكوارث التي ترتكب باسم كل الأديان فهم يحترمون كل الأديان المحرفة والباطلة ولا يكرهون إلا الإسلام ، ويحترمون كل ملابس القسس والرهبان والبوذيين وغيرهم ولا يحاربون إلا الحجاب عندما يكون على مسلمة ، فالراهبة المسيحية التي تلبس الحجاب هذه متدينة وحرة في تصرفاتها لكن المسلمة رجعية ومتخلفة إن كانت ملابسها محتشمة ، والقس أو المطران أو الكاهن إن ربى لحيته فهو حر وما تزيده إلا وقاراً ، لكن المسلم إن ربى لحيته فهو إرهابي خطير ومتزمت كبير ومتخلف ورجعي وكهنوتي .!!
فهؤلاء ليسوا أحرارا في تصرفاتهم وإنما يتصرفون وفق خطة العمل التي تصل إليهم من مموليهم الذين وظفوهم لمحاربة الإسلام والمسلمين.

مشاركة المقال